العقول ، أو لنظام المعايش والصناعات لتربية الجسم. وإلى الأوّل أشار بقوله تعالى : (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً)(١). وإلى الثاني قوله : (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ)(٢). وكلّ من خالف هاتين الطريقتين فهو على أحد حالين : إمّا أن يريد ابتزاز أموال الناس بالاستعلاء بلا فائدة ، وإمّا أن يريد الصيت والشهرة وكسب الجاه. وكلاهما لا نفع في علمه ولا فضل له. فمن طلب العلم أو أكثر في الذكر ليكون عالة على الامّة فهو داخل في نوع الشيطان الرجيم ، مرجوم مبعد عن إدراك الحقائق ومعذّب بالذّل والهوان ، وهذا مثال قوله تعالى : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ. وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ. لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) (فلا يعرفون حقائق الأشياء) (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ. دُحُوراً) بما ركّب فيهم من الشهوات وما ابتلوا من العاهات (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) أي في أمل متواصل ملازم لهم مدى الحياة. فلو حاول أن يخطف خطفة من الحقائق حالت دون بلوغه لها الأميال الباطلة (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ)(٣).
نعم (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ)(٤). ولا شكّ أنّها كناية عن حرمانهم العناية الربّانيّة المفاضة من ملكوت أعلى. الأمر الّذي أنعم به الرّبانيّون في هذه الحياة : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ)(٥). فملائكة الرحمة تهبط إليهم وهم في مواضعهم آمنون مستقرّون سائرون في طريقهم صعدا إلى قمّة الكمال.
وكذلك قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ)(٦). أي آخذ في الصعود إلى سماء العزّ والشرف والكرامة. (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)(٧). فما هذا الصعود وهذا الرفع إلّا ترفيعا في مدارج الكمال.
وهكذا جاء التعبير بفتح أبواب السماء كناية عن هطول المطر (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ
__________________
(١) الحجر ١٥ : ١٦.
(٢) الأعراف ٧ : ١٠ ، الحجر ١٥ : ٢٠.
(٣) الصافّات ٣٧ : ٦ ـ ١٠. راجع : تفسير الجواهر ٨ : ١٣ ، و ١٨ : ١٠.
(٤) الأعراف ٧ : ٤٠.
(٥) فصّلت ٤١ : ٣٠.
(٦) إبراهيم ١٤ : ٢٤.
(٧) فاطر ٣٥ : ١٠.