فقلت : يا رسول الله ، ما هذه الرنّة؟ فقال : هذا الشيطان قد أيس من عبادته» (١).
يقول تعالى في سورة الجنّ : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) ـ إلى قوله : ـ (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً)(٢). فهي حكاية عن حال حاضرة وجدتها الجنّ حينما بعث نبيّ الإسلام.
وبهذا يشير قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(٣). وقوله : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً)(٤).
نعم ، كانت تلك بغية إبليس أن يتلاعب بوحي السماء ولكن في خيبة آيسة : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى) (ظهور شريعته) (أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(٥). أي حاول إبليس الحؤول دون بلوغ أمنيّة الأنبياء ، فكان يندحر ويغلب الحقّ الباطل وتفشل دسائسه في نهاية المطاف.
أمّا عند ظهور الإسلام فقد خاب هو وجنوده نهائيّا وخسر هنالك المبطلون.
[٢ / ٩٣٠] قال الإمام الصادق عليهالسلام : «فلمّا ولد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حجب (إبليس) عن السبع السماوات ورميت الشياطين بالنجوم ...» (٦).
[٢ / ٩٣١] وفي حديث الرضا عن أبيه الكاظم عن أبيه الصادق عليهمالسلام في جواب مساءلة اليهود : «أنّ الجنّ كانوا يسترقون السمع قبل مبعث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فمنعت من أوان رسالته بالرجوم وانقضاض النجوم وبطلان [عمل] الكهنة والسحرة» (٧).
وهكذا حاول الشيخ الطنطاوي تأويل ظواهر التعابير الواردة في هذه الآيات إلى إرادة التمثيل ، قال ـ ما ملخّصه ـ : إنّ العلوم الّتي عرفها الناس تراد لأمرين : إمّا لمعرفة الحقائق لإكمال
__________________
(١) نهج البلاغة ٢ : ١٥٧ ـ ١٥٨ ، الخطبة ١٩٢ (الخطبة القاصعة).
(٢) الجنّ ٧٢ : ١ ـ ٩.
(٣) الحجر ١٥ : ٩.
(٤) الفتح ٤٨ : ٢٨.
(٥) الحجّ ٢٢ : ٥٢.
(٦) الأمالي للصدوق : ٣٦٠ / ٤٤٤ ـ ١ ، المجلس ٤٨ ؛ البحار ١٥ : ٢٥٧ / ٩.
(٧) البحار ١٧ : ٢٢٦ / ١ ، عن قرب الإسناد للحميري : ٣١٨.