قال السيّد المرتضى : وجدت جميع المفسّرين على اختلاف عباراتهم يذهبون إلى أنّه تعالى أراد : أنّ في السّماء جبالا من برد. وفيهم من قال : ما قدره قدر جبال. يعني مقدار جبال من كثرته.
قال : وأبو مسلم بن بحر الأصبهانيّ خاصّة انفرد في هذا الموضع بتأويل طريف ، وهو أن قال : الجبال ، ما جبل الله من برد ، وكلّ جسم شديد مستحجر فهو من الجبال ، ألم تر إلى قوله تعالى في خلق الأمم : (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ)(١). والناس يقولون : فلان مجبول على كذا.
وأورد عليه السيّد بأنّه يلزمه أن جعل الجبال اسما للبرد نفسه ، من حيث كان مجبولا مستحجرا! وهذا غلط ، لأنّ الجبال وإن كانت في الأصل مشتقّة من الجبل والجمع ، فقد صارت اسما لذي هيئة مخصوصة. ولهذا لا يسمّي أحد من أهل اللغة كلّ جسم ضمّ بعضه إلى بعض ـ مع استحجار أو غير استحجار ـ بأنّه جبل ، ولا يخصّون بهذا اللفظ إلّا أجساما مخصوصة ... كما أنّ اسم الدابّة وإن كان مشتقّا في الأصل من الدبيب فقد صار اسما لبعض ما دبّ ، ولا يعمّ كلّ ما وقع منه الدبيب.
قال : والأولى أن يريد بلفظة السماء ـ هنا ـ ما علا من الغيم وارتفع فصار سماء لنا ، لأنّ سماء البيت وسماواته ما ارتفع منه. وأراد بالجبال التشبيه ، لأنّ السحاب المتراكب المتراكم تشبّهه العرب بالجبال والجمال ، وهذا شائع في كلامها ، كأنّه تعالى قال : وينزّل من السحاب الّذي يشبه الجبال في تراكمه بردا.
قال : وعلى هذا التفسير تكون «من» الاولى والثانية لابتداء الغاية ، والثالثة زائدة لا حكم لها ، ويكون تقدير الكلام : وينزّل من جبال في السماء بردا. فزادت «من» كما تزاد في قولهم : ما في الدار من أحد. وكم أعطيته من درهم ، ومالك عندي من حقّ ، وما أشبه ذلك.
وأضاف : إنّه قد ظهر مفعول صحيح ل «ننزّل» ، ولا مفعول لهذا الفعل على سائر التأويلات (٢).
قلت : وهو تأويل وجيه لو لا جانب زيادة «من» في الإيجاب.
قال ابن هشام : شرط زيادتها تقدّم نفي أو نهي أو استفهام ولم يشترطه الكوفيّون واستدلّوا بقول العرب : قد كان من مطر. وبقول عمر بن أبي ربيعة :
__________________
(١) الشعراء ٢٦ : ١٨٤.
(٢) الأمالي للسيّد المرتضى علم الهدى ٢ : ٣٠٤ ـ ٣٠٦.