قال الزمخشري : وإنّما استنبأهم وقد علم عجزهم عن الإنباء ، على سبيل التبكيت (١).
والتبكيت : غلبة ، بحجّة دامغة. ومنه تبكيت الضمير أي تعنيفه بقرع الحجّة ، يوجب تراجعه عن الغلواء العارمة.
ملحوظة
هنا نلحظ من سيّد قطب ـ هذا المفسّر الخبير ـ غريبة في تفسير الأسماء ، فرضها القدرة على التسمية ، حيث ضرورة الحياة الاجتماعية للإنسان تجعله جانحا إلى الرمز بالأسماء للمسمّيات ، وذلك لغرض إمكان التفاهم مع بني نوعه ولا يمكن إلّا بالتسمية وعن طريق التعبير بالألفاظ. وهي حاجة حياتيّة دعت إلى اصطناع الألفاظ والتفاوض على الرمز للأشياء بذكر أسماء لها.
الأمر الذي لا ضرورة فيه في الحياة الملائكيّة ، حيث تبادل المقاصد بينها ـ إن كان ـ كان عن طريق الإيحاء ، إيحاء المعاني دون الألفاظ.
قال : «ها نحن أولاء نشهد طرفا من ذلك السرّ الإلهي العظيم الّذي أودعه الله هذا الكائن البشري ـ وهو يسلّمه مقاليد الخلافة ـ سرّ القدرة على الرمز بالأسماء للمسمّيات ، سرّ القدرة على تسمية الأشخاص والأشياء بأسماء يجعلها ـ وهي ألفاظ منطوقة ـ رموزا لتلك الأشخاص والأشياء المحسوسة. وهي قدرة ذات قيمة كبرى في حياة الإنسان على الأرض ، ندرك قيمتها حين نتصوّر الصعوبة الكبرى لو لم يوهب الإنسان القدرة على الرمز بالأسماء للمسمّيات والمشقّة في التفاهم والتعامل ، حين يحتاج كلّ فرد لكي يتفاهم مع الآخرين على شيء ، أن يستحضر هذا الشيء بذاته أمامهم ليتفاهموا بشأنه ... إنّها مشقّة هائلة لا تتصوّر معها حياة!
فأمّا الملائكة فلا حاجة لهم بهذه الخاصيّة ، لأنّها لا ضرورة لها في وظيفتهم. ومن ثمّ لم توهب لهم. فلمّا علّم الله آدم هذا السرّ ، وعرض على الملائكة ما عرض لم يعرفوا الأسماء ، لم يعرفوا كيف يضعون الرموز اللفظيّة للأشياء والشخوص. وجهروا أمام هذا العجز بتسبيح ربّهم ، والاعتراف بعجزهم ، والإقرار بحدود علمهم وهو ما علّمهم» (٢).
والغرابة في هذا التفسير تبدو بوضوح إذا ما لا حظنا أنّ الجنوح إلى تسمية الأشياء
__________________
(١) الكشّاف ١ : ١٢٦.
(٢) في ظلال القرآن ١ : ٦٩ ـ ٧٠.