وتنويعها ، وفي تحقيق إرادة الله وناموس الوجود في تطويرها وتنميتها وتعديلها على يد خليفة الله في أرضه. هذا الّذي قد يفسد أحيانا وقد يسفك الدماء ، ليتمّ من وراء هذا الشرّ الجزئي المحدود خير أكبر وأشمل ، خير النموّ والرقيّ والاكتمال ، خير الحركة الهادمة البانية ، خير المحاولة الدائبة الّتي لا تكفّ ، والتطّلع الّذي لا يقف ، والتغيير والتطوير في هذا الملك الكبير والجوّ الفسيح.
عندئذ جاءهم القرار من العليم الخبير بكوامن الأمور : (قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ).
***
(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ...)
وتبيينا لموضع آدم ـ هذا الكائن الجديد ـ من تحقيق تلك الخلافة المسجّلة باسمه والّتي فضّلته على كثير من الخلق وجعلته في درجة أعلى من التبجيل والإكرام ، جاء دور تركيز فطرته على العلم والمعرفة بحقائق الأشياء ، علما ذاتيّا ناشئا من جبلّته الّتي خلقه الله عليها ، وبذلك فاق على الآفاق.
والأسماء ـ كما تقدّم في تفسير البسملة ـ جمع اسم بمعنى السمة ، ليكون العلم بالأسماء علما بسماتها وخصائصها ومعرفة شاملة لحقائق الأشياء والأسرار الكامنة في طبيعة الوجود. فيستخرجها ويسخرها ويستخدمها في مآربه في الحياة. وبذلك تعمر الأرض وتزدهر معالمها مع الآباد.
وها نحن أولاء نشهد طرفا من ذلك السرّ الإلهي العظيم الّذي أودعه الله هذا الكائن البشري ، وهو يسلّمه مقاليد الخلافة ويسخّر له أفاق الأرض وأجواء السماء.
الأمر الّذي يقصر عن نيله الملائكة ذات الحياة الرتيبة والوظيفة الجارية على منوال ، إذ لم يعد لهم حاجة بتلك الخاصيّة ولا كانت هناك ضرورة تدعو إليه.
ومن ثمّ لمّا عرضت الأسماء على الملائكة لم يعرفوها ولم يهتدوا إلى كنه معرفتها ، وهنا جاء هذا الكائن الجديد ليقوم بدور التعليم وإبداء مقدرته الذاتيّة على سائر الخلق ، فلم يكن من الملائكة سوى إبداء العجز والاعتذار عمّا فرط منهم في ذلك المجال.