فالحياة الوديعة الهادئة المريحة ، والّتي تجعل الإنسان يستلذّ بحياته ، هي الّتي ترعيها عناية ربّانية عليا وتشملها ولاية الله الكبرى : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ)(١) ، من ظلمات الحياة وأكدارها ، إلى ضوء النور وبهيج سعادة الحياة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ)(٢). فالدعوة الإلهيّة لا تهدف غير السعادة في الحياة. إن ماديّة أو معنويّة.
هذا إذا شعر الإنسان بعناية الله له وشكر نعماءه.
أمّا الّذين أنكروا نعمة الله من بعد ما عرفوها (٣)(وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا)(٤)(أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ)(٥). (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ)(٦). (وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ)(٧). (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٨).
نعم أولئك أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من نور الفطرة ومن هداية العقل ، إلى غياهب الغيّ والضلال.
[٢ / ٩٤٤] وفي ذلك يقول الإمام أمير المؤمنين ـ عليه صلوات المصلّين ـ : «فلمّا مهد أرضه وأنفذ أمره ، اختار آدم عليهالسلام خيرة من خلقه ، وجعله أوّل جبلّته وأسكنه جنّته وأرغد فيها أكله ، وأوعز إليه فيما نهاه عنه ، وأعلمه أنّ في الإقدام عليه التعرّض لمعصيته ، والمخاطرة بمنزلته. فأقدم على ما نهاه عنه موافاة لسابق علمه ، فأهبطه بعد التوبة ليعمر أرضه بنسله وليقيم الحجّة به على عباده. ولم يخلهم بعد أن قبضه ممّا يؤكّد عليهم حجّة ربوبيّته ، ويصل بينهم وبين معرفته ، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه ومتحمّلي ودائع رسالاته ، قرنا فقرنا ، حتّى تمّت بنبيّنا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم حجّته وبلغ المقطع عذره ونذره» (٩).
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٥٧.
(٢) الأنفال ٨ : ٢٤.
(٣) (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) (النحل ١٦ : ٨٣).
(٤) النمل ٢٧ : ١٤.
(٥) الأنعام ٦ : ٢٠.
(٦) الأعراف ٧ : ٥٣.
(٧) غافر ٤٠ : ٧٨.
(٨) البقرة ٢ : ١١٤.
(٩) نهج البلاغة ١ : ١٧٧ : الخطبة ٩١ (خطبة الأشباح).