ملحوظة
قد يتساءل عن مرجع ضمير الجمع المذكّر في قوله : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) مع كون الأسماء جمعا مكسّرا ، وهو بحكم المفردة المؤنث ، بدليل (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها).
وأيضا قوله : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا ...) خطابا مع آدم وحوّاء ، حيث أزلّهما الشيطان وأخرجهما ممّا كانا فيه.
وأجاب الزمخشري عن الأوّل بأنّه من باب التغليب ، قال : وإنّما ذكّر ، لأنّ في المسمّيات العقلاء فغلّبهم (١).
وأجاب عن الثاني بأنّه خطاب لآدم وحوّاء ، والمراد : هما وذريّتهما ، لأنّهما لمّا كانا أصل الإنس ومتشعّبهم ، جعلا كأنّهما الإنس كلّهم. والدليل عليه قوله : (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)(٢). ويدلّ على ذلك قوله : (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). وما هو إلّا حكم يعمّ الناس كلّهم. ومعنى (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) : ما عليه الناس من التعادي والتباغي وتضليل بعضهم لبعض (٣).
***
وللإمام أبي جعفر الطبري بحث روائي حول حديث الخلافة في الأرض ، نذكره بنصّه :
قال : اختلف أهل التأويل في قوله : (إِنِّي جاعِلٌ) ، فقال بعضهم : إنّي فاعل. ذكر من قال ذلك :
[٢ / ٩٤٥] حدّثنا القاسم بن الحسن ، بالإسناد إلى الحسن وقتادة ، قالوا : قال الله للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) قال لهم : إنّي فاعل.
وقال آخرون : إنّي خالق. ذكر من قال ذلك :
[٢ / ٩٤٦] حدّثت عن المنجاب بن الحارث قال : حدّثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، قال : كلّ شيء في القرآن «جعل» فهو خلق.
قال أبو جعفر : والصواب في تأويل قوله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) أي مستخلف في الأرض خليفة ومصيّر فيها خلفا ، وذلك أشبه بتأويل قول الحسن وقتادة.
__________________
(١) الكشّاف ١ : ١٢٦.
(٢) طه ٢٠ : ١٢٣.
(٣) الكشّاف ١ : ١٢٨. ولنا عن ذلك بحث مذيّل في كتابنا «شبهات وردود» (الجزء السابع من التمهيد : ٤٢٠ ـ ٤٤٢).