الملائكة الّذين كانوا معه ؛ فقال الله للملائكة الّذين معه : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فقالت الملائكة مجيبين له : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) كما أفسدت الجنّ وسفكت الدماء؟ وإنّما بعثنا عليهم لذلك. فقال : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) يقول : إنّي قد اطّلعت من قلب إبليس على ما لم تطّلعوا عليه من كبره واغتراره ، قال : ثمّ أمر بتربة آدم فرفعت ، فخلق الله آدم من طين لازب ـ واللازب : اللزج الصلب من حمأ مسنون ـ منتن. قال : وإنّما كان حمأ مسنونا بعد التراب. قال : فخلق منه آدم بيده. قال فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى ، فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله فيصلصل ـ أي فيصوّت ـ قال : فهو قول الله : (مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) يقول : كالشيء المنفوخ الّذي ليس بمصمت ، قال : ثمّ [جعل] يدخل في فيه ويخرج من دبره ، ويدخل من دبره ويخرج من فيه ، ثمّ يقول : لست شيئا! للصلصلة ، ولشيء ما خلقت! لئن سلّطت عليك لأهلكنّك ، ولئن سلّطت عليّ لأعصينّك. قال : فلمّا نفخ الله فيه من روحه ، أتت النفخة من قبل رأسه ، فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلّا صار لحما ودما. فلمّا انتهت النفخة إلى سرّته نظر إلى جسده ، فأعجبه ما رأى من حسنه ، فذهب لينهض فلم يقدر ، فهو قول الله : (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً)(١) قال : ضجرا لا صبر له على سرّاء ولا ضرّاء. قال : فلمّا تمّت النفخة في جسده ، عطس فقال : الحمد لله ربّ العالمين ، بإلهام من الله تعالى. فقال الله له : يرحمك الله يا آدم. قال : ثمّ قال الله للملائكة الّذين كانوا مع إبليس خاصّة دون الملائكة الّذين في السماوات : اسجدوا لآدم! فسجدوا كلّهم أجمعون إلّا إبليس أبى واستكبر لما كان حدّث به نفسه من كبره واغتراره ، فقال : لا أسجد له وأنا خير منه وأكبر سنّا وأقوى خلقا ، خلقتني من نار وخلقته من طين. يقول : إنّ النار أقوى من الطين. قال : فلمّا أبى إبليس أن يسجد أبلسه الله وآيسه من الخير كلّه وجعله شيطانا رجيما ، عقوبة لمعصيته. ثمّ علّم آدم الأسماء كلّها ، وهي هذه الأسماء الّتي يتعارف بها الناس : إنسان ودابّة وأرض وسهل وبحر وجبل وحمار ، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها. ثمّ عرض هذه الأسماء على أولئك الملائكة ، يعني الملائكة الّذين كانوا مع إبليس الّذين خلقوا من نار السموم ، وقال لهم : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) يقول : أخبروني بأسماء هؤلاء (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) إن كنتم تعلمون أنّي لم أجعل في الأرض خليفة. قال : فلمّا علمت الملائكة مؤاخذة الله عليهم فيما تكلّموا به من علم الغيب الّذي لا يعلمه غيره الّذي ليس لهم به علم ، قالوا : سبحانك! تنزيها لله من أن
__________________
(١) الإسراء ١٧ : ١١.