الكعبة قبل الأرض بألفي سنة. قالوا : كيف خلقت قبل وهي من الأرض؟ قال : كانت حشفة (١) على الماء عليها ملكان يسبّحان الليل والنهار ألفي سنة ، فلمّا أراد الله أن يخلق الأرض دحاها منها فجعلها في وسط الأرض ، فلمّا أراد الله أن يخلق آدم بعث ملكا من حملة العرش يأتي بتراب من الأرض ، فلمّا هوى ليأخذ ، قالت الأرض : أسألك بالّذي أرسلك أن لا تأخذ منّي اليوم شيئا يكون منه للنار نصيب غدا ، فتركها. فلمّا رجع إلى ربّه قال : ما منعك أن تأتي بما أمرتك؟ قال : سألتني بك فعظّمت أن أراد شيئا سألني بك. فأرسل ملكا آخر فقال : مثل ذلك حتّى أرسلهم كلّهم ، فأرسل ملك الموت فقالت له مثل ذلك ، قال : إنّ الّذي أرسلني أحقّ بالطاعة منك. فأخذ من وجه الأرض كلّها من طيبها وخبيثها ، حتّى كانت قبضة عند موضع الكعبة ، فجاء به إلى ربّه فصبّ عليه من ماء الجنّة ، فجاء حمأ مسنونا ، فخلق منه آدم بيده ، ثمّ مسح على ظهره فقال : تبارك الله أحسن الخالقين ، فتركه أربعين ليلة لا ينفخ فيه الروح ، ثمّ نفخ فيه الروح ، فجرى فيه الروح من رأسه إلى صدره ، فأراد أن يثب. فتلا أبو هريرة : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ)(٢).
فلمّا جرى فيه الروح قعد جالسا فعطس ، فقال الله : قل : الحمد لله. فقال : الحمد لله. فقال : رحمك ربّك ، ثمّ قال : انطلق إلى هؤلاء الملائكة فسلّم عليهم ، فقال : السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فقالوا : وعليك السّلام ورحمة الله وبركاته ، فقال : هذه تحيّتك وتحيّة ذرّيّتك يا آدم!.
أيّ مكان أحبّ إليك أن أريك ذرّيّتك فيه؟ فقال : بيمين ربّي وكلتا يديّ ربّي يمين. فبسط يمينه فأراه فيها ذرّيّته كلّهم وما هو خالق إلى يوم القيامة. الصحيح على هيئته ، والمبتلى على هيئته ، والأنبياء كلّهم على هيئتهم. فقال : أي ربّ ، ألا عافيتهم كلّهم؟ فقال : إنّي أحببت أن أشكر. فرأى فيها رجلا ساطعا نوره فقال : أي ربّ من هذا؟ فقال : هذا ابنك داوود ، فقال : كم عمره؟ قال : ستّون سنة ، قال : كم عمرى؟ قال : ألف سنة ، قال : انقص من عمري أربعين سنة فزدها في عمره ، ثمّ رأى آخر ساطعا نوره ليس مع أحد من الأنبياء مثل ما معه ، فقال : أي ربّ من هذا؟ قال : هذا ابنك محمّد ، وهو أوّل من يدخل الجنّة ، فقال آدم : الحمد لله الّذي جعل من ذرّيّتي من يسبقني إلى الجنّة ولا أحسده.
فلمّا مضى لآدم ألف سنة إلّا أربعين جاءته الملائكة تتوفّاه عيانا ، قال : ما تريدون؟ قالوا : أردنا
__________________
(١) الحشفة : الجزيرة في البحر إذا كانت صغيرة ومستديرة.
(٢) الأنبياء ٢١ : ٣٧.