الاخرى بشماله ، ففلق الطين فلقتين فذرا من الأرض ذروا (١) ومن السّماوات ذروا فقال للّذي بيمينه : منك الرّسل والأنبياء والأوصياء والصدّيقون والمؤمنون والسعداء ومن اريد كرامته ، فوجب لهم ما قال كما قال. وقال للّذي بشماله : منك الجبّارون والمشركون والكافرون والطواغيت ومن اريد هوانه وشقوته ، فوجب لهم ما قال كما قال ، ثمّ إنّ الطينتين خلطتا جميعا ، وذلك قول الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى)(٢) فالحبّ طينة المؤمنين الّتي ألقى الله عليها محبّته والنوى طينة الكافرين الّذين نأوا عن كلّ خير وإنّما سمّي النوى من أجل أنّه نأى عن كلّ خير وتباعد عنه وقال الله عزوجل : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) فالحيّ : المؤمن الّذي تخرج طينته من طينة الكافر والميّت الّذي يخرج من الحيّ : هو الكافر الّذي يخرج من طينة المؤمن ، فالحيّ : المؤمن ، والميّت : الكافر وذلك قوله عزوجل : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)(٣) فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر وكان حياته حين فرّق الله ـ عزوجل ـ بينهما بكلمته كذلك يخرج الله ـ عزوجل ـ المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها إلى النور ويخرج الكافر من النّور إلى الظلمة بعد دخوله إلى النّور وذلك قوله ـ عزوجل ـ : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ»)(٤).
[٢ / ١٠١٣] وبإسناده عن أبان بن عثمان ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «لو علم الناس كيف ابتداء الخلق ما اختلف اثنان ، إنّ الله ـ عزوجل ـ قبل أن يخلق الخلق قال : كن ماء عذبا أخلق منك جنّتي وأهل طاعتي وكن ملحا اجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي ثمّ أمرهما فامتزجا ، فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر والكافر المؤمن ثمّ أخذ طينا من أديم الأرض فعركه عركا شديدا فإذا هم كالذرّ يدبّون. فقال لأصحاب اليمين : إلى الجنّة بسلام وقال لأصحاب الشمال : إلى النار ولا ابالي ، ثمّ أمر نارا فاسعرت ، فقال لأصحاب الشمال : ادخلوها ، فهابوها ، فقال لأصحاب اليمين : ادخلوها فدخلوها ، فقال : كوني بردا وسلاما فكانت بردا وسلاما ، فقال أصحاب الشمال : يا ربّ أقلنا. فقال : قد أقلتكم فادخلوها ، فذهبوا فهابوها ، فثمّ ثبتت الطاعة والمعصية فلا يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء ؛ ولا هؤلاء من هؤلاء».
__________________
(١) الفلق : الشقّ والفصل. والذرو : الإذهاب والتفريق.
(٢) الأنعام ٦ : ٩٥.
(٣) الأنعام ٦ : ١٢٢.
(٤) يس ٣٦ : ٧٠.