وفيه أنّ هذه الأخبار قد رواها العلماء الأعلام في جوامعهم العظام بأسانيد عديدة وطرق سديدة ولا يبعد أن تكون من المتواترات معنى ، فلا معنى لطرحها وردّها ، بل لا بدّ من توجيهها. وقد رواها ثقة الإسلام الكليني في الكافي بطرق شتّى ومتون عديدة ، والشيخ في الأمالي ، والبرقي في المحاسن ، والصدوق في العلل ، وعليّ بن إبراهيم والعيّاشي في تفسيريهما ، والصفّار في بصائر الدرجات وغيرهم ، بأسانيد وافرة وطرق متكاثرة ، بل الأولى حينئذ أن يقال : إنّ هذه الأخبار متشابهة يجب الوقوف عندها وردّ أمرها وتسليمه إليهم عليهمالسلام فإنّ كلامهم كالقرآن محكم ومتشابه ، كما ورد عنهم عليهمالسلام إنّ في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن ومحكما كمحكمه فردّوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا.
(الثاني) أنّها محمولة على موافقة العامّة فيما روته الحشويّة وقد ذهب إليه الأشاعرة ، ولمخالفتها لأخبار الاختيار والاستطاعة المعلومة من طريقة الأئمّة عليهمالسلام.
وهذا مشارك لما قبله في الضعف ، فإنّ الظاهر من بعضها أنّها من أسرار علومهم وكنوز معارفهم.
(الثالث) أنّها كناية عمّا علمه الله تعالى وقدّره من اختلاط المؤمن والكافر في الدنيا واستيلاء أئمّة الجور وأتباعهم على أئمّة الحقّ وأتباعهم. وعلى أنّ المؤمنين إنّما يرتكبون الآثام لاستيلاء أهل الباطل عليهم وعدم تولّي أئمّة الحقّ لسياستهم فيعذرهم لذلك ويعفو عنهم ويعذّب أئمّة الجور وأتباعهم بتسببهم لجرائم من خالطهم مع ما يستحقون من جرائم أنفسهم.
(الرابع) أنّها كناية عن علمه تعالى بما هم إليه صائرون فإنّه تعالى لمّا خلقهم مع علمه بأحوالهم فكأنّه تعالى خلقهم من طينات مختلفة. ولا يخفى ضعفه.
(الخامس) أنّها كناية عن اختلاف استعدادهم وتفاوت قابليّاتهم.
وهذا أمر بيّن لا يمكن إنكاره إذ لا شبهة في أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبا جهل ليسا في درجة واحدة من الاستعداد والقابلية وهذا لا يستلزم سقوط التكليف ، فإنّ الله تعالى كلّف النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حسبما أعطاه من الاستعداد لتحصيل الكمالات ، وكلّف أبا جهل حسبما أعطاه من ذلك ولم يكلّفه ما ليس في وسعه ولم يجبره على شيء من الشرّ والفساد.