طِينٍ)(١). فأفاد أنّ الإنسان مخلوق من طين. ثمّ قال تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها)(٢). وقال : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها)(٣). فأفاد أنّ للإنسان غاية ونهاية من السعادة والشقاء. وهو متّجه إليها ، سائر نحوها. وقال تعالى : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ. فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ)(٤) فأفاد أنّ ما ينتهي إليه أمر الإنسان من السعادة أو الشقاء هو ما كان عليه في بدء خلقه ، وقد كان في بدء خلقه طينا فهذه الطينة طينة سعادة وطينة شقاء ، ومآل أمر السعيد إلى الجنّة ومآل أمر الشقىّ إلى النار ، فهما أوّلهما (٥) لكون الآخر هو الأوّل. وحينئذ صحّ أنّ السعداء خلقوا من طينة الجنّة ، والأشقياء خلقوا من طينة النار. قال تعالى : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ. وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ. كِتابٌ مَرْقُومٌ. يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ)(٦). وقال تعالى : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ. وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ. كِتابٌ مَرْقُومٌ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)(٧) وهي تشعر بأنّ علّيّين وسجّين هما ما ينتهي إليه أمر الأبرار والفجّار من النعمة والعذاب فتدبّر.
وأما البحث الثاني وهو أنّ أخبار الطينة تستلزم أن تكون السعادة والشقاء لازمتين حتميّتين للإنسان ، ومعه لا يكونان عن كسب واختيار للإنسان وهو الجبر الباطل.
والجواب أنّ اقتضاء الطينة للسعادة أو الشقاء ليس من قبل نفسها بل من قبل حكمه تعالى وقضائه وما قضى من سعادة وشقاء ، فيرجع الإشكال إلى سبق قضاء السعادة والشقاء في حقّ الإنسان قبل أن يخلق ، وأنّ ذلك يستلزم الجبر ، وقد ذكرنا هذا الإشكال مع جوابه في باب المشيئة والإرادة وحاصل الجواب : أنّ القضاء متعلّق بصدور الفعل عن اختيار العبد ، فهو فعل اختياريّ في عين أنّه حتميّ الوقوع ، ولم يتعلّق بالفعل سواء اختاره العبد أو لم يختر حتّى يلزم منه بطلان الاختيار والله الهادي (٨).
وحاصل ما ذكره سيّدنا الطباطبائي وأشار إليه سائر الأعلام ممّن تقدّمه ، هو : أنّ الخلقة من
__________________
(١) السجده ٣٢ : ٧.
(٢) البقرة ٢ : ١٤٨.
(٣) الحديد ٥٧ : ٢٢.
(٤) الأعراف ٧ : ٢٩.
(٥) لأنّ الغاية ملحوظة من قبل. فالغاية أوّل في اللّحاظ ونهاية في المآل.
(٦) المطفّفين ٨٣ : ١٨ ـ ٢١.
(٧) المطّففين ٨٣ : ٧ ـ ١٠.
(٨) راجع تعليقه على أصول الكافي ٢ : ٢ ـ ٣ / ٣.