نعم ، لو فسّرنا التسبيح بذلك انحلّت المشكلة تماما ، حيث الكائنات برمّتها ذلولة تسلك سبل ربّها والّتي جبلت عليها في تشخيص مسيرتها في عالم الوجود.
ومن ثمّ نرى أنّ التسبيح في مثل هذه الآيات ، يخلفه التعبير بالسجود ، سجود الكائنات بأسرها لله تعالى ، فما هذا السجود إلّا تعبيرا آخر عن ذلك التسبيح!.
قال تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ)(١).
وقال : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ)(٢).
وقال : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ. وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ. وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ. أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ)(٣)
وقال : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ)(٤).
وقال : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ)(٥).
وإذا كانت الأظلة خاضعة لنظام وكذا الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار وكلّ شيء خلقه الله في هذا الكون ، فهي جميعا ساجدة لله تعالى ومسبّحة له تسبيحا في عبادة مستمرّة تدأب فيها من غير قصور ولا فتور.
إذن صحّ التعبير بالتسبيح ـ في مفهومه الحقيقي (الدؤوب في العبادة) ـ عن سجود الكائنات بأسرها ، أي خضوعها التامّ واستسلامها المحض ، تجاه نواميس الطبيعة ، لا تجور ولا تحور عن المنهج الّذي رسمته لها الطبيعة ، وفق إرادة الله تعالى وسنته الجارية في الخلق. (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)(٦) : كلّ ينتهج منهجه الّذي جبل عليه. (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ)(٧).
__________________
(١) الرعد ١٣ : ١٥.
(٢) الحجّ ٢٢ : ١٨.
(٣) الرحمان ٥٥ : ٥ ـ ٨.
(٤) النحل ١٦ : ٤٨.
(٥) النحل ١٦ : ٤٩.
(٦) الأنبياء ٢١ : ٣٣.
(٧) النور ٢٤ : ٤١.