إبراهيم قد انتهت إذن إلى محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنين به حقّا.
***
وعند هذا الحدّ يبدأ سياق السورة يتّجه إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وإلى الجماعة المسلمة من حوله ، حيث يأخذ في وضع الأسس الّتي تقوم عليها حياة هذه الجماعة المستخلفة على دعوة الله في الأرض ، وفي تمييز هذه الجماعة بطابع خاصّ ، وبمنهج في التصوّر وفي الحياة خاصّ.
ويبدأ في هذا بتعيين القبلة الّتي تتّجه إليها هذه الجماعة ـ ممتازة عن سائر الجماعات غير المهذّبة ـ وهو أوّل حجر أساسي لهذا الامتياز والانفصال عن المفترقات. ثمّ تمضي السورة في بيان المنهج الربّاني لهذه الجماعة المسلمة ، منهج التصوّر والعبادة ، ومنهج السلوك والمعاملة. ومنهج الكفاح الحرّ في سبيل تثبيت الدعوة وانتشارها في الأرض.
وفي النهاية نرى ختام السورة ينعطف على افتتاحها ، فيبيّن طبيعة التصوّر الإيماني وإيمان الأمّة المسلمة بالأنبياء كلّهم ، وبالكتب كلّها وبالغيب وماوراءه ، مع السمع والطاعة :
(آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ). (١)
ومن ثمّ يتناسق البدء والختام ، وتتجمّع موضوعات السورة بين ضفّتين ، من صفات المؤمنين وخصائص الإيمان (٢).
نقلنا كلامه بطوله ـ مع شيء من الاختزال وتصرّف يسير ـ لما فيه من الإجادة والإفادة وحسن البيان.
***
قلت : وبحقّ كانت سورة البقرة مسرحا خصبا لتنمية جذور الدعوة وتثبيت أركانها شامخة إلى الأبد! إلى جنب تربية أمّة واعية ، عارفة وحاذرة ، عارفة بمصيرها وما ينشطها في درب الحياة ،
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٨٥ ـ ٢٨٦.
(٢) في ظلال القرآن ١ : ٢٥ ـ ٣٦.