وهذه السورة الّتي تضمّنت هذا الوصف ، وهذا التنبيه ، وهذا التحذير ، تضمّنت كذلك بناء الجماعة المسلمة وإعدادها لحمل أمانة العقيدة في الأرض بعد نكول بني إسرائيل عن حملها قديما ، ووقوفهم في وجهها هذه الوقفة أخيرا.
تبدأ السورة ـ كما أسلفنا ـ بوصف تلك الطوائف الّتي كانت تواجه الدعوة أوّل العهد بالهجرة ـ بما في ذلك تلك الإشارة إلى الشياطين اليهود الّذين يرد ذكرهم فيما بعد مطوّلا ـ وتلك الطوائف هي الّتي تواجه هذه الدعوة على مدار التاريخ بعد ذلك. ثمّ تمضي السورة على محورها بخطّيه الأساسيّين إلى نهايتها ، في وحدة ملحوظة ، تمثّل الشخصيّة الخاصّة للسورة ، مع تعدّد الموضوعات الّتي تناولها وتنوّعها ...
فبعد استعراض النماذج الثلاثة الأولى : المتّقين. والكافرين. والمنافقين. وبعد الإشارة الضمنيّة لليهود الشياطين ، نجد دعوة الناس جميعا إلى عبادة الله والإيمان بالكتاب المنزل على عبده ، وتحدّي المرتابين فيه بأن يأتوا بسورة من مثله. وتهديد الكافرين بالنار وتبشير المؤمنين بالجنّة. ثمّ التعجيب من أمر الّذين يكفرون بالله.
وعند هذا المقطع الّذي يشير إلى خلق ما في الأرض جميعا للناس ، تجيء قصّة استخلاف آدم في الأرض.
بعد هذا يبدأ السياق جولة واسعة طويلة مع بني إسرائيل ، تتخلّلها دعوتهم للدخول في دين الله وما أنزله الله مصدّقا لما معهم ، مع تذكيرهم بعثراتهم وخطاياهم والتوائهم وتلبيسهم منذ أيّام موسى عليهالسلام ولا يزالون.
ومن ثمّ تتضمّن السورة حملة قويّة على أفاعيلهم هذه ، وتذكّرهم بمواقفهم المماثلة من نبيّهم ومن شرائعهم وسائر أنبيائهم ، على مدار الأجيال ، وتخاطبهم في هذه كأنّهم جيل واحد متّصل ، وجبلّة واحدة لا تتغيّر ولا تتبدّل!
وتنتهي هذه الحملة بتيئيس المسلمين من الطمع في إيمانهم لهم ، وهم على هذه الجبلّة المؤوفة الطبع ، كما تنتهي بفصل الخطاب في دعواهم أنّهم وحدهم المهتدون ، بما أنّهم ورثة إبراهيم. وتبيين أنّ ورثة إبراهيم الحقيقيّين هم الذين يمضون على سنّته ، ويتقيّدون بعهده مع ربّه ؛ وأنّ وراثة