[٢ / ١١٦٩] أخرج ابن المنذر عن ابن عبّاس في قوله : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) قال : جعله الله كافرا لا يستطيع أن يؤمن (١).
***
قلت : وحاشا الصانع الحكيم أن يفطر مخلوقا له على الكفر والجحود ، ممّا يتنافى وقوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)(٢) وقد تقدّم أنّه الخضوع والاستسلام لله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٣). فكلّ موجود مذعن في واقع ذاته وفي صميم فطرته إذعانا صادقا تجاه بارئه الخالق والمدبّر لكلّ شيء.
نعم كان الّذي من إبليس هو كفران نعمه تعالى فلم يشكر آلاءه تعالى عليه وعلى سائر الخلق ، وكان من تبعة هذا الكفران هو العصيان والتمرّد عن امتثال أوامره تعالى الحكيمة ، استكبارا واغترارا بهوى النفس.
[٢ / ١١٧٠] فقد أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله تعالى : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) قال : يعني العاصين (٤).
وأمّا التعبير ب «كان» ـ فعلا ماضيا ـ فغير خفيّ أنّه فعل ناقص وليس مساغه مساغ الأفعال التامّة. فلم يكن إخبارا عن ماض غابر ، وإنّما هو إخبار عن حالة كائنة. قال الزمخشري : معناه : كان من جنس كفرة الجنّ وشياطينهم فكذلك أبى واستكبر ، كما في آية أخرى : (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)(٥). أي حيث كونه من مردة الجنّ بدرت منه بادرة التمرّد والاستكبار!
ومن تتبّع موارد استعمال «كان» في القرآن بل وفي كلام العرب ، يجد الأمر كما ذكرنا. قال تعالى : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)(٦). أي حال كونه غنيّا أو فقيرا ، لا فيما سبق!
(وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ). أي كان له ولد حينذاك.
(فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ).
__________________
(١) الدرّ ١ : ١٢٥.
(٢) الإسراء ١٧ : ٤٤.
(٣) الرعد ١٣ : ١٥.
(٤) الطبري ١ : ٣٢٧ / ٥٩١ ؛ ابن كثير ١ : ٨١.
(٥) الكشّاف ١ : ١٢٧. والآية من سورة الكهف ١٨ : ٥٠.
(٦) النساء ٤ : ٦.