فلمّا دخل الجنّة وقف بين يدي آدم وحوّاء ، وهما لا يعلمان أنّه إبليس ، فبكى وناح نياحة أحزنتهما ، وهو أوّل من ناح ، فقالا له : ما يبكيك؟ قال : أبكي عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة ، فوقع ذلك في أنفسهما فاغتمّا ومضى إبليس عنهما ثمّ أتاهما بعد ذلك فقال : يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد ، فأبى أن يقبل منه ، وقاسمهما بالله إنّه لهما لمن الناصحين ، فاغترّا ، وما ظنّا أنّ أحدا يحلف بالله كاذبا. فبادرت حوّاء إلى الأكل من الشجرة ثمّ ناولت آدم حتّى أكل منها (١).
[٢ / ١٢٥٠] وأخرج ابن جرير عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم : أنّ آدم حين دخل الجنّة ورأى ما فيها من الكرامة وما أعطاه الله منها ، قال : لو أن خلدا كان! فاغتنمها منه الشيطان لمّا سمعها منه ، فأتاه من قبل الخلد (٢).
[٢ / ١٢٥١] وعنه أيضا قال : حدّثت أنّ أوّل ما ابتدأهما به من كيده إيّاهما أنّه ناح عليهما نياحة أحزنتهما حين سمعاها ، فقالا له : ما يبكيك؟ قال : أبكي عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة والكرامة. فوقع ذلك في أنفسهما. ثمّ أتاهما فوسوس إليهما ، فقال : (يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى)(٣) وقال : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ. وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ)(٤) أي تكونا ملكين أو تخلدا ، إن لم تكونا ملكين ، في نعمة الجنّة فلا تموتان. يقول الله جلّ ثناؤه : (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ)(٥). (٦)
[٢ / ١٢٥٢] وعن سلمة ، قال : قال ابن إسحاق في ذلك ، والله أعلم ، كما قال ابن عبّاس وأهل التوراة : إنّه خلص إلى آدم وزوجته (٧) بسلطانه الّذي جعل الله له ليبتلي به آدم وذرّيّته ، وأنّه يأتي ابن آدم في نومته وفي يقظته وفي كلّ حال من أحواله ، حتّى يخلص إلى ما أراد منه ، حتّى يدعوه إلى المعصية ، ويوقع في نفسه الشهوة وهو لا يراه ، وقد قال الله : فوسوس لهما الشيطان فأخرجهما ممّا
__________________
(١) البغوي ١ : ١٠٦ ؛ الوسيط ١ : ١٢٢ ، بلفظ : «إنّما رآهما على باب الجنّة ، لأنّهما كانا يخرجان من الجنّة».
(٢) الطبري ١ : ٣٣٨ / ٦٢٣ ؛ تاريخ الطبري ١ : ٧٤ ، وفيه : قال : لو أنّا خلدنا ، فاغتمز فيها منه الشيطان. يقال : اغتمز عليه الكلمة : استضعفها ووجد فيها الغميزة في نفس آدم أي نقطة ضعف يمكنه التسرّب منها إليه.
(٣) طه ٢٠ : ١٢٠.
(٤) الأعراف ٧ : ٢٠ ـ ٢١.
(٥) الأعراف ٧ : ٢٢.
(٦) الطبري ١ : ٣٣٨ ـ ٣٣٩ / ٦٢٤ ؛ تاريخ الطبري ١ : ٧٤.
(٧) يقال : خلص إليه أي أتاه خفية ومن حيث لا يشعر.