الجديدة ويؤمن للرسول الجديد ؛ مذ كان القرآن يصدّق ما جاءت به التوراة في عمومه ، ومذ كانوا هم يتوقّعون رسالة هذا الرسول ، وعندهم أوصافه في البشارات الّتي يتضمّنها كتابهم ؛ وهم كانوا يستفتحون به على العرب المشركين (١).
وهذا العرض ـ من آيات سورة البقرة ـ هو الشوط الأوّل من تلكم الجولة الواسعة مع بني إسرائيل بل هذه الحملة الشاملة لكشف مواقفهم وفضح مكائدهم بعد استنفاد كلّ وسائل الدعوة معهم لترغيبهم في الإسلام ، والانضمام إلى موكب الإيمان بالدين الجديد.
تبدأ هذه الجولة بنداء علويّ جليل إلى بني إسرائيل ، تذكّرهم بنعمته تعالى عليهم وتدعوهم إلى الوفاء بعهدهم معه ليوفي بعهده معهم ، وإلى تقواه وخشيته ؛ يمهّد بها لدعوتهم إلى الإيمان بما أنزله مصدّقا لما معهم ، وتندّد بموقفهم منه موقف المعاند ، وكفرهم به أوّل من يكفر! كما تندّد بتلبيسهم الحقّ بالباطل وكتمان الحقّ ليموّهوا على الناس ـ وعلى المسلمين خاصّة ـ ويشيعوا الفتنة والبلبلة في الصفّ الإسلامي الموحّد ، والشكّ والريب في نفوس الداخلين في حظيرة الإسلام ، وتأمرهم أن يدخلوا مع الداخلين ، فيقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويركعوا مع الراكعين ، مستعينين على قهر نفوسهم وتطويعها للاندماج في الدين الجديد ، بالصبر والصلاة : بترويضها على المقاومة في سبيل الحقّ. وبالابتهال إلى الله ليعينهم على فهم الحقّ والانصياع له.
فأوّل خطوة تخطوها هذه الجولة أن تذكّرهم بنعم الله الّتي أسبغها عليهم في تاريخهم الطويل ، مخاطبا الحاضرين منهم كما لو كانوا هم الّذين تلقّوا هذه النعم على عهد موسى عليهالسلام. وذلك باعتبار أنّهم أمّة واحدة متضامنة الأجيال ، متّحدة الجبلّة. كما هم في حقيقة الأمر سواء وفق ما بدى من صفاتهم ومواقفهم في جميع العصور.
وتعاود تخوّفهم باليوم الّذي يخاف الوحدة والوحشة فيه ، حيث لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ، ولا يؤخذ منها فدية ، ولا يجدون من ينصرهم ويعصمهم من عذاب الله!
قال تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ..)
تلك النعم الّتي أفاضها عليكم طول حياتكم وفضّلكم ببعث الأنبياء منكم من لدن موسى الكليم فإلى عهد عيسى المسيح.
__________________
(١) البقرة ٢ : ٨٩.