عبثا. ولن يترك سدى ؛ وأنّ العدالة المطلقة في انتظاره ، ليطمئنّ قلبه ، وتستقرّ بلابله ، ويفيء إلى العمل الصالح ، وإلى عدل الله ورحمته في نهاية المطاف.
قال سيّد قطب : واليقين بالآخرة هو مفرق الطريق بين من يعيش بين جدران الحسّ المغلقة ، ومن يعيش في الوجود المديد الرحيب. بين من يشعر أنّ حياته على الأرض هي كلّ ما له في هذا الوجود ، ومن يشعر أنّ حياته على الأرض ابتلاء يمهّد للجزاء ، وأنّ الحياة الحقيقيّة إنّما هي هنالك ، وراء هذا الحيّز الصغير المحدود. (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ)(١). (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ)(٢).
[٢ / ٩٦] وفي الحديث : «إنّما خلقتم للبقاء لا للفناء» (٣).
فهذه العقيدة ـ في حقيقتها ـ تجعل الإنسان على أهبة العمل لحياة خالدة ، وأن لا يقصر همّه على متع الحياة الدنيا الزائلة. (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)(٤)(وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى)(٥). والتأكيد على الحياة الأخرى كثير في القرآن ، سوف نبحث عنه في مجاله. إن شاء الله.
***
وكلّ صفة من هذه الصفات ـ كما رأينا ـ ذات قيمة في الحياة الإنسانيّة ، ومن ثمّ كانت هي صفة المتّقين ، أي المتعهّدين بالذمم الأخلاقيّة وأصحاب الشعور الإنساني في الحياة.
قال سيد قطب : وهناك تساوق وتناسق بين هذه الصفات جميعا ، هو الّذي يؤلّف منها وحدة متناسقة متكاملة. فالتقوى شعور في الضمير ، وحالة في الوجدان ، تنبثق منها اتّجاهات وأعمال ؛ وتتوحّد بها المشاعر الباطنة والتصرّفات الظاهرة ؛ وتصل الإنسان بالله في سرّه وجهره. وتشفّ منها الروح ، فتقلّ الحجب بينها وبين الكلّيّ الّذي يشمل عالمي الغيب والشهادة ، ويلتقي فيه المعلوم والمجهول. ومتى شفّت الروح وانزاحت الحجب بين الظاهر والباطن ، فإنّ الإيمان بالغيب عندئذ
__________________
(١) الانشقاق ٨٤ : ٦.
(٢) البقرة ٢ : ١٥٦.
(٣) راجع : تفسير الإمام : ١١٧ ؛ البحار ٣٧ : ١٤٥. وكذا اعتقادات الصدوق : ٤٧ ، باب ١٥ (مصنفات المفيد ٢٥) ؛ البحار ٦ : ٢٤٩ و ٥٨ : ٧٨.
(٤) العنكبوت ٢٩ : ٦٤.
(٥) الأعلى ٨٧ : ١٧.