اتصف بها المسمى جمادا ، حتى أخبر عنه الصادق أنه يسبح بحمد الله ، لأن الحق أضاف ذلك إلى الحجر بقوله «منه» ، ومن لا كشف له ولا إيمان لا يثبت للجماد حياة ، فكيف
____________________________________
هذا التيه؟ فظلل الله عليهم الغمام ، وهو الضباب أو السحاب ، فقالوا : ما نأكل؟ فأنزل الله عليهم المن ، وهو هذا الذي ينزل على الشجر ويجمعه الناس ، جعل الله لهم فيه غذاء وهو المعروف عندنا ، وقد قيل فيه إنه شيء شبه الخبز النقي ، وقيل شبه الذرة ، وأما السلوى فهو طائر واحده سلواة ، فقال تعالى (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) من جعل من للتبيين جعل الطيبات الحلال من الرزق ، وأطلق الرزق على الحلال والحرام ، ومن جعل من للتبعيض يريد التقليل من الأكل وهو مشروع ، جعل الرزق هنا الحلال ، فإن الله نهى عن أكل الحرام في غير ما موضع من كلامه في كل كتاب ، وقوله (وَما ظَلَمُونا) أي وما تضررنا بمعصيتهم ولا بمخالفتهم ، إذ كان كل مظلوم متضررا (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) أي ما يكون من الضرر في ذلك يعود عليهم ، وهذا يدلك أيضا على أنه لنفسك عليك حق ، وهو أن تسلك بها سبيل النجاة ، فإذا لم تفعل فقد ظلمتها وأورثتها الضرر والشقاء ، ثم قال تعالى (٥٩) (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) الآية ، ومن نعمه أيضا عليهم بعد أن فرغوا من إقامتهم في التيه أن قال لهم (ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) يعني بيت المقدس أو أريحا ، ما ثبت عندنا أية قرية هي ، غير أنا زرنا قبر موسى عليهالسلام على قرب من أريحا على قارعة الطريق الكبرى وقرب من الكثيب الأحمر ، بأرض يقال لها البريصا ، ظاهر حجارتها بيض وباطنها أسود نفطية ، كنا نوقدها كما يتقد النفط ، ورائحتها كرائحته وفيها دهن ، والقبر على يمين الطريق إذا طلبت أريحا ، ثم قال (فَكُلُوا مِنْها) الضمير يعود على القرية (حَيْثُ شِئْتُمْ) أي مما فيها ، فأباح لهم الدخول والأكل كيف شاؤا ومما شاؤا وحيث شاؤا (رَغَداً) في اتساع عيش من غير تضييق ولا تحجير (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) كلفهم التواضع عبادة بالسجود عند الدخول (وَقُولُوا حِطَّةٌ) بالرفع ، أي قولوها كما أمرتم حكاية على الرفع ، وحطة مثل قعدة وجلسة ، وقد يكون دعاء ، أي حط عنا ذنوبنا حطة ، وقد يكون المعنى إذا دخلتم سجدا وفرغتم من عبادتكم فحطوا ، أي أنزلوا رحالكم حطة ، ومعناه يتداعوا بها على الرفع بينهم : حطة حطة ، ليحطوا ، فإذا فعلتم ذلك (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) جمع خطيئة ، وهو ما كان منكم مما تقدم مما ذكرناه من الذنوب ، (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) إحسانا على إحساننا لهم ، لكونهم ما خالفوا أمر الله واحترموا جانب الحق ، قال تعالى (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) فإن تركهم للمخالفة زيادة عمل مشروع إذا اقترنت به نية الترك ، وسواء كان الترك لمباح أو ندب أو فرض ، على أنه عندنا إذا أتى المباح من حيث أنه مباح شرعا أجر (٦٠) (فَبَدَّلَ