(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٨٢)
الجنة دار بقاء السعادة والنظر ، وهي الساترة لأهلها عن كل مكروه يكون في الدار التي تقابلها ، وما يعطيه سلطان أسماء الانتقام.
____________________________________
ثلاثة أحوال : دخولا ، ونزولا فيها على طبقات مخصوصة ، وخلودا بلا خروج ، فأما الدخول فيها فبرحمة الله ، قال عليهالسلام [لا يدخل الجنة أحد بعمل ، قيل له : ولا أنت؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته] فإن الدخول حالة متوهمة ، وذلك كالخط الفاصل بين الظل والشمس الذي ليس من الظل ولا من الشمس وهو متوهم فهو حال الدخول ، فإنه إن كنت في أول الشمس الملاصق للظل فقد دخلت وأنت في الشمس ، وإن كنت في الظل الذي في الحد المجاور للشمس فما دخلت ، فلما لم يكن لهذا الفاصل المتوهم وجود حسي لم يقترن به عمل يوجبه إلا رحمة الله ، فإذا دخل السعيد أو الشقي داره نزل فيها بحسب عمله في الدرجات والدركات زمانا وحالا ، وأما الخلود فموجبه النيّات ، وهو أن كل فريق منهم كان في نيته لو بقي في الدنيا أبد الآبدين لا يخرج منها لبقي على اعتقاده ذلك ، كفرا كان أو إيمانا ، فكان الخلود في مقابلة هذا الاستمرار ، فصدقوا في قولهم (أَيَّاماً مَعْدُودَةً) وغاب عنهم أن ذلك يدور عليهم دائما ، وهذا في أهل النار الذين هم أهلها ، وأما الرحمة في دخول النار فهي بالنار وما فيها من الحيوانات المعدة للعذاب ، فرحمها الله بما جعل فيها من الإنس والجن ، فتأكل جلودهم وتعذبهم ، فإنها تتنعم بالانتقام من أعداء الله ، مثل التشفي ، وقد صح عندنا هنا أنها اشتكت إلى ربها فقالت : يا رب أكل بعضي بعضا ، فرحمها بأن أذن لها بنفسين ، نفس في الشتاء وهو ما نجده من شدة البرد ، ونفس في الصيف وهو ما نجده من شدة الحر ، وإن شئنا قلنا إنهم يدخلونها بعدل الله ، فقال الله حين قالوا (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) قُلْ لهم يا محمد (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً) أنزله عليكم في الكتاب ففعلتم به ، فإن كان هذا (فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ) ففي الكلام حذف (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) يقول : أم تفترون على الله الكذب ، أما حرف (أَمْ) هنا قد يكون بمعنى أي ، وقد يكون منقطعا ، ثم قال (٨٢) (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) جواب قولهم (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) بَلى تمسكم دائما يفسره قوله (مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) على الجمع والإفراد وإذا أحاطت به فلم يكن له عمل صالح شرعا وعرفا يخرجه من النار ، فإنه لو تخلل هذا أمر ما صالح ما كان محيطا ، وهؤلاء أهل النار الذين هم أهلها لا يموتون فيها ولا يحيون ، فهم شر محض ليس فيهم من الخير المشروع ولا المعروف شيء ، إما بأنهم جوزوا على ذاك في الدنيا ،