(أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (٨٦)
لولا نحن ما قيل : دنيا ولا آخرة ، وإنما كان يقال ممكنات وجدت وتوجد كما هو الأمر ، فلما عمرنا نحن من الممكنات المخلوقة أماكن معينة إلى أجل مسمى من حين ظهرت أعياننا ، ونحن صور من صور العالم ، سمينا ذلك الموطن الدار الدنيا ، أي الدار القريبة التي عمرناها في أول وجودنا لأعياننا ، وقد كان العالم ولم نكن نحن ، مع أن الله تعالى جعل لنا في عمارة
____________________________________
أخذنا ميثاقكم على ما وجدتموه في التوراة وتقرونه بينكم (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) أي لا تقتلوا أنفسكم ، ولا يقتل بعضكم بعضا ، يقول الله فيمن قتل نفسه [بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة] (وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) أي لا يخرج بعضكم بعضا من منزله تعديا عليه (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) بأن ما ذكرناه حق (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) أنه في كتابكم كما أخبركم به محمد عليهالسلام ، وهو أمي لا يقرأ كتابكم ، فتعلمون أنه نبي أرسلناه من عندنا ، فكفرتم ببعض ما أنزل إليكم في كتابكم ، وهو قوله (٨٦) (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) يقول يقتل بعضكم بعضا (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ) أي تتعاونون عليهم بما تأثمون بفعله (وَالْعُدْوانِ) من التعدي لحدود الله (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) من ديارهم ، فهذا مما كفرتم به فغيرتم الصفة التي أقررتم ، بما فعلتم من القتل والإخراج ، فغير الله بكم بما نذكره في الخزي الذي نالهم في الحياة الدنيا ، قال تعالى (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) وكتبنا عليكم في التوراة أن تفدوا من أسر منكم ، وهو قوله (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ) فهذا مما أنتم به من التوراة مؤمنون ، يقول الله لهم (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) وهو قوله أيضا في سورة النساء (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ، وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) أي يحدثوا طريقا أخرى من عند أنفسهم ، أولئك هم الكافرون حقا ، فقال تعالى (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ) وهو الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه (إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وهو ما كان من قتل بني قريظة وإجلاء بني النضير ، وما ضرب الله عليهم من الذلة والمسكنة أينما كانوا إلى يوم القيامة (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ) وهو الدرك الأسفل من النار الذي أعده الله للمنافقين (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) وعيد وتهديد من الله لهم (٨٧) (أُولئِكَ) إشارة إليهم (الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ