والقراء في وصل البسملة على أربعة مذاهب : المذهب الواحد لا يرونه أصلا ، وهو أن يصل آخر السورة بالبسملة ويقف ويبتدئ بالسورة ، هذا لا يرتضيه أحد من القراء العلماء منهم ، وقد رأيت الأعاجم من الفرس يفعلون مثل هذا ، مما لا يرتضيه علماء الأداء من القراء. والمذهب الحسن الذي ارتضاه الجميع ، ولا أعرف لهم مخالفا من القراء ، الوقوف على آخر السورة ، ووصل البسملة بأول السورة التي يستقبلها. والمذهبان الآخران ، وهما دون هذا من الاستحسان : أن يقطع في الجميع ، أو يصل في الجميع ، وأجمع الكل أن يبتدئ بالتعوذ والبسملة عند الابتداء بالقراءة في أول السورة ، وأجمع على قراءة البسملة في الفاتحة جماعة القراء بلا خلاف ، واختلفوا في سائر سور القرآن ، ما لم يبتدئ أحد منهم بالسورة ، فخيّر من خيّر في ذلك «كورش» ومنهم من ترك «كحمزة» ومنهم من بسمل ولم يخيّر كسائر القراء.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢)
قرئ «الحمد» بخفض الدال ، و «الحمد لله» برفع اللام إتباعا لحركة الدال ، والحمد : ثناء عام ، ما لم يقيده الناطق به بأمر ، وله ثلاث مراتب : حمد الحمد ، وحمد المحمود نفسه ، وحمد غيره له ، وما ثم مرتبة رابعة في الحمد ، ثم في الحمد بما يحمد الشيء
____________________________________
الْحُسْنى) أجراه مجرى الاسم الله في العلمية ، فاتحد المدلول وهو الذات ، وهو فعلان ، وإن كان هذا اللفظ مشتقا من لفظ الرحمة وهو الأظهر ، فمعناه الذي له تعميم الرحمة في خلقه ، أي هذه النسبة إليه صحيحة ، وإن كان المرحومون معدومين ، و «الرحيم» تخصيص الرحمة بالسعداء في الدنيا بالتوفيق والهداية ، وفي الآخرة بالنجاة من العذاب وحصول النعيم ، وسيأتي ذلك في الفاتحة ، والرحمن [نعت لعموم الرحمة بالخلق] (*) من الاسم الرحمن ، والنعت وإن كان يأتي لرفع اللبس فقد يجاء به لمجرد المدح والثناء ، قيل لهم : اعبدوا الله ، لم يقولوا : وما الله؟ قيل لهم : اسجدوا للرحمن ، قالوا : وما الرحمن؟ فعلى كل وجه النعت فيه أولى ، ولا يلتفت لما قاله الطبري في ذلك ، فإنه مدخول معلول من عدم معرفة العرب بالرحمن (٢) (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (الْحَمْدُ لِلَّهِ) بسم الله ، أي الثناء عليه بأسمائه الحسنى ، وهذا يدلك على أن أسماءه سبحانه تجري مجرى النعوت
__________________
(*) بياض في الأصل.