(وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (١٧٩)
(وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) لما في ذلك من مصالح الحياة الدنيا (يا أُولِي الْأَلْبابِ) وهم الناظرون في اللب مع قوله : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) فعلموا أن القصاص إنما شرع لأن الجاهل لا يردعه مثل العفو ، فيؤديه احتمال الكامل مع جهله إلى إهلاك أولي الألباب ، فإذا علم أن النفس بالنفس ولا بد ارتدع ، فقتل الجاهل كقطع عضو لسعته الحية من الجسد إبقاء على باقي الجسد ، فهو ينقصه إلا أن فيه مصلحته. (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وهذا إثبات للأسباب الإلهية المقررة في العالم فعلل ، ولام العلة في القرآن كثير.
____________________________________
عليكم القصاص في القتلى إن قتل حر حرا قتل به ، وإن قتل عبد عبدا قتل به ، وإن قتلت أنثى أنثى قتلت بها ، لا يقتل حر بعبد لم يقتله ، ولا رجل بامرأة لم يقتلها ، وما تعرض في الآية إلى حكم الحر بالعبد ، ولا الذكر بالأنثى ، حتى يدّعى في هذه الآية النسخ ، فإذا ورد حكم آخر في الكتاب أو السنة عمل به وكان زيادة حكم ، وإنما تكون هذه الآية منسوخة لو لم يقتل حر بحر ولا عبد بعبد ولا أنثى بأنثى ، وما قال في الآية ولا يجوز غير هذا ، ولو قال ذلك لكان النسخ يرد على قوله حكما ، ولا يجوز غير هذا لثبوت الحكم فيما ذكره ، ولا خلاف في أن هذا الحكم في قتل العمد ، وأما شبه العمد أو الخطأ فله حكم آخر إذا ورد يرد الكلام عليه ، والشرط الذي يجب به القصاص في المقتول هو أن يكون دم المقتول مكافئا لدم القاتل ، والذي به تختلف النفوس هو الإسلام والكفر ، والحرية والعبودية ، والذكورية والأنوثية ، والواحد والكثير ، ولا خلاف بين العلماء أن المقتول إذا كان مكافئا للقاتل في هذه الأربعة أنه يجب القصاص ، فثبت بهذا الاتفاق أن هذه الآية ليس بمنسوخة ، وأن النبي عليهالسلام إنما كان حكمه بين الحيين في السبب الموجب لنزول هذه الآية أن لا يقتل بالمقتول غير قاتله كما ذكرناه ، ثم قال : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) فيه وجوه ، منها إذا عفا ولي المقتول عن القود وقبل الدية فيطلبها من القاتل بمعروف ، أي برفق على وجه مشروع ، ولا يشطط في الدية بأن يطلب الغاية القصوى في سمنها وحسنها ، وليطلب بحكم التوسط في ذلك ، وليؤدي القاتل إليه ذلك بإحسان ، أي بحيث يطيب قلبه ، ووجه آخر وهو (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ) أي من بقيت له من دية أخيه بقية فليطلبها كما ذكرناه ، سواء كثرت أو قلت ، وقد يكون للدم أولياء فيعفو بعضهم فيسقط القود وتتعين