وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) الحليم هو القادر على الأخذ فيؤخر الأمر ، ويمهل العبد ولا يهمله ، وإنما يؤخره لأجل معدود ولا يمحوه ، لأنه يبدله بالحسنى فيكسوه حلة الحسن وهو هو بعينه ، ليظهر فضل الله وكرمه على عبيده ، ولهذا وصف الذنوب بالمغفرة وهي الستر ، وما وصفها بذهاب العين ، وإنما يسترها بثوب الحسن ، لهذا قال : (وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) ولا حليم إلا أن يكون ذا اقتدار ، فإن صاحب العجز عن إنفاذ اقتداره لا يكون حليما.
____________________________________
على قسمين : منها مقصودة وغير مقصودة ومشتبهة ، فغير المقصودة منها هو الذي يجري على ألسنة الناس من قولهم ، بالله ، ولا والله ، من غير قصد لليمين بقلبه للعادة التي استصحبوها في كلامهم ، فهذه اليمين لغو ، وبذلك فسرته عائشة ، وأما اليمين الأخرى المشتبهة فيمين المحرج والغضبان ، فقد تشبه أن تكون مقصودة وأن تكون غير مقصودة ، فجعلها القاضي إسماعيل من لغو اليمين ، وأما الأيمان المقصودة فمنها أن يحلف الحالف أن الأمر كذا ولا يعلم أن الأمر في نفسه على خلاف ما حلف عليه ، فهذا من لغو اليمين عند مالك وغيره ، ومنها أن يحلف أن يفعل معصية ، فهذه اليمين لغو عند ابن عباس ، ومن لغو اليمين أن يحلف على ما لا يملك عند ابن عباس أيضا ، ومنها أن يحلف أنه يفعل ما له أن يفعل ، فلم يفعل ، ورأى ترك الفعل خيرا له ، فليكفر عن يمينه ويفعل الذي هو خير ، وجعل ابن عباس هذا النوع من لغو اليمين ، وأما يمين المكره وذلك أن يلزمه ذو سلطان يمينا لم يلزمها الشرع إياه ، فالظاهر أن الشرع يلغي هذه اليمين ولا يجب عليه إبرارها ، ولا يعتبر هنا نية المستحلف ، إذ لا حق له في استحلافه شرعا ، وهي على نية الحالف ، ولنا في هذا اليمين نظر ، وهو إن حلف من هذه صورته على نية المستحلف لزمته ولم تكن لغوا ، لأنه ألزم نفسه ما لم يلزمه الشرع ، فقد أوجب على نفسه ، وإن حلف على غير نية المستحلف فهي لغو لا يلزمه فيها حكم ، ثم قال : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ) أي يلزمكم الكفارة والإثم (بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) أي بما تعمدت قلوبكم اليمين عليه وهو باطل ، يقول : ولكن يعاقبكم إذا قصدتم باليمين قطع حق يجب عليكم أداؤه ، أنه ليس كذلك أو هو كذلك ، وأنت تعلم أنك كاذب في يمينك ، فهذا هو اليمين التى شرع فيها الكفارة ، إلا عند بعض الناس ، فإنه لا كفارة في اليمين الغموس وهي هذه ، ثم قال : (وَاللهُ غَفُورٌ) لما وقع منكم من الأيمان لغوا وعقدا ، حيث أسقط المؤاخذة في اللغو وشرع الكفارة في الأخرى ، وقوله : (حَلِيمٌ) أي من حلمه ما عجل عليكم بالعقوبة وأمهلكم لتتوبوا على قول من لا يرى الكفارة ، وعلى قول من يرى الكفارة في اليمين الغموس ليكون حليما ، حيث جعل الكفارة برفع العقوبة ولم يؤاخذكم بما فعلتموه من إسقاط حرمة اسم الله ،