فصولها ، فيمنع من لا يصلح للقتال ، من رجال وخيل وركاب ، لضعفه ، أو ضعف صبره ، أو لتخذيله ، أو خوف الضرر بصحبته ، فإن هذا القسم ضرر محض على الناس. ومنها : أنه ينبغي عند حضور البأس ، تقوية المجاهدين ، وتشجيعهم ، وحثهم على القوة الإيمانية ، والاتكال الكامل على الله ، والاعتماد عليه ، وسؤال الله التثبيت ، والإعانة على الصبر والنصر على الأعداء. ومنها : أن العزم على القتال والجهاد غير حقيقته ، فقد يعزم الإنسان ، ولكن عند حضوره ، تنحل عزيمته ، ولهذا كان من دعاء النبي صلىاللهعليهوسلم : «أسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد». فهؤلاء الذين عزموا على القتال ، وأتوا بكلام يدل على العزم المصمم ، لما جاء الوقت ، نكص أكثرهم ، ويشبه هذا قوله صلىاللهعليهوسلم : «وأسألك الرضا بعد القضاء» ؛ لأن الرضا بعد وقوع القضاء المكروه للنفوس ، هو الرضا الحقيقي.
[٢٥٣] يخبر الباري أنه فاوت بين الرسل في الفضائل الجليلة ، والتخصيصات الجميلة ، بحسب ما منّ الله به عليهم ، وقاموا به من الإيمان الكامل ؛ واليقين الراسخ ، والأخلاق العالية ، والآداب السامية ، والدعوة ، والتعليم ، والنفع العميم. فمنهم من اتخذه خليلا ، ومنهم من كلمه تكليما ، ومنهم من رفعه فوق الخلائق درجات. وجميعهم لا سبيل لأحد من البشر إلى الوصول لفضلهم الشامخ. وخصّ عيسى ابن مريم أنه آتاه البينات الدالة على أنه رسول الله حقا ، وعبده صدقا ، وأن ما جاء به من عند الله كله حق ، فجعله يبرىء الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن الله ، وكلّم الناس في المهد صبيّا ، وأيده بروح القدس ، أي : بروح الإيمان. فجعل روحانيته فائقة روحانية غيره ، فحصل له بذلك القوة والتأييد ، وإن كان أصل التأييد بهذه الروح عاما لكل مؤمن ، بحسب إيمانه ، كما قال : (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) ، لكن ما لعيسى أعظم مما لغيره ، لهذا خصه الله بالذكر. وقيل : إن روح القدس ـ هنا ـ جبريل ، أيده الله بإعانته ومؤازرته ، لكن المعنى الأصح ، هو الأول. ولما أخبر عن كمال الرسل ، وما أعطاهم من الفضل والخصائص ، وأن دينهم واحد ، ودعوتهم إلى الخير واحدة ، كان موجب ذلك ومقتضاه ، أن تجتمع الأمم على تصديقهم ، والانقياد لهم ، لما آتاهم من البينات التي على مثلها يؤمن البشر ، لكن أكثرهم انحرفوا عن الصراط المستقيم ، ووقع الاختلاف بين الأمم. فمنهم من آمن ، ومنهم من كفر ، ووقع لأجل ذلك الاقتتال الذي هو موجب الاختلاف والتعادي ، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ، فما اختلفوا ، ولو شاء الله أيضا ـ بعد ما وقع الاختلاف الموجب للاقتتال ـ ما اقتتلوا. ولكن حكمته ، اقتضت جريان الأمور على هذا النظام بحسب الأسباب ، ففي هذه الآية أكبر شاهد على أنه تعالى ، يتصرف في جميع الأسباب لمسبباتها ، وأنه إن شاء أبقاها ، وإن شاء منعها ، وكلّ ذلك تبع لحكمته وحده ، فإنه فعال لما يريد ، فليس لإرادته ومشيئته ممانع ولا معارض ولا معاون.
[٢٥٤] يحثّ الله المؤمنين على النفقات ، في جميع طرق الخير ؛ لأن حذف المعمول ، يفيد التعميم ، ويذكرهم نعمته عليهم ، بأنه هو الذي رزقهم ، ونوع عليهم النعم ، وأنه لم يأمرهم بإخراج جميع ما في أيديهم ، بل أتى ب «من» الدالة على التبعيض ، فهذا مما يدعوهم إلى الإنفاق. ومما يدعوهم أيضا إخبارهم أن هذه النفقات ، مدخرة عند الله في