يوم لا تفيد فيه المعاوضات بالبيع ونحوه ، ولا التبرعات ، ولا الشفاعات ، فكل أحد يقول : يا ليتني قدمت لحياتي. فتنقطع الأسباب كلها ، إلا الأسباب المتعلقة بطاعة الله والإيمان به ، يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم. (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) ، (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً). ثم قال تعالى : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ، وذلك لأن الله خلقهم لعبادته ، ورزقهم وعافاهم ، ليستعينوا بذلك على طاعته ، فخرجوا عما خلقهم الله له ، وأشركوا بالله ، ما لم ينزل به سلطانا ، واستعانوا بنعمه على الكفر ، والفسوق ، والعصيان ، فلم يبقوا للعدل موضعا ، فلهذا حصر الظلم المطلق فيهم.
[٢٥٥] أخبر صلىاللهعليهوسلم أن هذه الآية أعظم آيات القرآن ، لما احتوت عليه من معاني التوحيد والعظمة ، وسعة الصفات للباري تعالى. فأخبر أنه (اللهُ) الذي له جميع معاني الألوهية ، وأنه لا يستحق الألوهية والعبودية إلا هو ، فألوهية غيره ، وعبادة غيره باطلة. وأنه (الْحَيُ) الذي له جميع معاني الحياة الكاملة ، من السمع والبصر ، والقدرة ، والإرادة ، وغيرها والصفات الذاتية. كما أن (الْقَيُّومُ) تدخل فيه جميع صفات الأفعال ، لأنه القيوم الذي قام بنفسه ، واستغنى عن جميع مخلوقاته ، وقام بجميع الموجودات ، فأوجدها وأبقاها ، وأمدها بجميع ما تحتاج إليه في وجودها وبقائها. ومن كمال حياته وقيوميته ، أنه (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ) ، أي : نعاس (وَلا نَوْمٌ) ؛ لأن السنة والنوم ، إنما يعرضان للمخلوق ، الذي يعتريه الضعف ، والعجز ، والانحلال ، ولا يعرضان لذي العظمة والكبرياء والجلال. وأخبر أنه مالك جميع ما في السماوات والأرض ، فكلهم عبيد لله مماليك ، لا يخرج أحد منهم عن هذا الطور ، (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) (٩٣) ، فهو المالك لجميع الممالك ، وهو الذي له صفات الملك والتصرف ، والسلطان ، والكبرياء. ومن تمام ملكه أنه لا (يَشْفَعُ عِنْدَهُ) أحد (إِلَّا بِإِذْنِهِ) ، فكل الوجهاء والشفعاء عبيد له مماليك ، لا يقدمون على شفاعة حتى يأذن لهم. (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، والله لا يأذن لأحد أن يشفع إلا فيمن ارتضى ، ولا يرتضي إلا توحيده ، واتباع رسله ، فمن لم يتصف بهذا ، فليس له في الشفاعة نصيب. ثم أخبر عن علمه الواسع المحيط ، وأنه يعلم ما بين أيدي الخلائق ، من الأمور المستقبلة ، التي لا نهاية لها (وَما خَلْفَهُمْ) من الأمور الماضية التي لا حد لها ، وأنه لا تخفى عليه خافية (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) (١٩). وأن الخلق لا يحيط أحد بشيء من علم الله ومعلوماته (إِلَّا بِما شاءَ) منها وهو ما أطلعهم عليه من الأمور الشرعية والقدرية ، وهو جزء يسير جدا مضمحل في علوم الباري ومعلوماته ، كما قال أعلم الخلق به ، وهم الرسل والملائكة : (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا). ثم أخبر عن عظمته وجلاله ، وأن كرسيه ، وسع السماوات والأرض ، وأنه قد حفظهما ومن فيهما من العوالم بالأسباب والنظامات ، التي جعلها الله في المخلوقات. ومع ذلك ف (لا يَؤُدُهُ) ، أي : يثقله حفظهما ، لكمال عظمته ، واقتداره ، وسعة حكمته في أحكامه. (وَهُوَ الْعَلِيُ) بذاته ، على جميع مخلوقاته ، وهو العلي بعظمة صفاته ، وهو العلي الذي قهر