فينبغي له ، أن يكتب وصيته ، ويشهد عليها اثنين ، ذوي عدل ، ممن يعتبر شهادتهما. (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) أي : من غير أهل دينكم ، من اليهود ، أو النصارى ، أو غيرهم ، وذلك عند الحاجة والضرورة وعدم غيرهما من المسلمين. (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) أي : سافرتم فيها. (فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ) أي : فأشهدوهما. ولم يأمر بإشهادهما ، إلا لأن قولهما في تلك الحال مقبول ، ويؤكد عليهما ، أن يحبسا (مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ) التي يعظمونها. (فَيُقْسِمانِ بِاللهِ) أنهما صدقا ، وما غيرا ، ولا بدّلا. هذا (إِنِ ارْتَبْتُمْ) في شهادتهما ، فإن صدقتموها ، فلا حاجة إلى القسم بذلك. ويقولان : (لا نَشْتَرِي بِهِ) أي : بأيماننا (ثَمَناً) بأن نكذب فيها ، لأجل عرض من الدنيا. (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) فلا نراعيه لأجل قربه منا (وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ) بل نؤديها على ما سمعناها (إِنَّا إِذاً) أي : إن كتمناها (لَمِنَ الْآثِمِينَ).
[١٠٧] (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا) أي : الشاهدين (اسْتَحَقَّا إِثْماً) بأن وجد من القرآن ، ما يدل على كذبهما ، وأنهما خانا ، فآخران يقومان مقامهما ، من الّذين استحق عليهما الأوليان. أي : فليقم رجلان من أولياء الميت ، وليكونا من أقرب الأولياء إليه. (فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما) أي : أنهما كذبا ، وغيرا ، وخانا. (وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) أي : إن ظلمنا واعتدينا ، وشهدنا بغير الحقّ.
[١٠٨] قال الله تعالى في بيان حكمة تلك الشهادة ، وتأكيدها ، وردها على أولياء الميت ، حين تظهر من الشاهدين الخيانة. (ذلِكَ أَدْنى) أي : أقرب (أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها) حين تؤكد عليهما تلك التأكيدات. (أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ) أي : أن لا تقبل أيمانهم ، ثمّ ترد على أولياء الميت. (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) أي : الّذين وصفهم الفسق ، فلا يريدون الهدى والقصد إلى الصراط المستقيم. وحاصل هذا ، أن الميت ـ إذا حضره الموت في سفر ونحوه ، مما هو مظنة قلة الشهود المعتبرين ـ أنه ينبغي أن يوصي شاهدين مسلمين عدلين. فإن لم يجد إلا شاهدين كافرين ، جاز أن يوصي إليهما. ولكن لأجل كفرهما ، فإن الأولياء ، إذا ارتابوا بهما فإنهم يحلفونهما بعد الصلاة ، أنهما ما خانا ، ولا كذبا ، ولا غيّرا ، ولا بدّلا ، فيبرآن بذلك من حق يتوجه إليهما. فإن لم يصدقوهما ، ووجدوا قرينة تدل على كذب الشاهدين فإن شاء أولياء الميت ، فليقم منهم اثنان ، فيقسمان بالله : لشهادتهما أحق من شهادة الشاهدين الأولين ، وأنهما خانا وكذبا ، فيستحقون منهما ما يدعون. وهذه الآيات الكريمة ، نزلت في قصة «تميم الداري» و «عدي بن بداء» المشهورة حين أوصى لهما العدوي ، والله أعلم. ويستدل بالآيات الكريمات ، على عدة أحكام : منها : أن الوصية مشروعة ، وأنه ينبغي لمن حضره الموت ، أن يوصي. ومنها : أنها معتبرة ، ولو كان الإنسان وصل إلى مقدمات الموت وعلامته ، ما دام عقله ثابتا. منها : أن شهادة الوصية ، لا بد فيها من اثنين عدلين. ومنها : أن شهادة الكافرين في هذه الوصية ونحوها ، مقبولة لوجود الضرورة. وهذا مذهب الإمام أحمد. وزعم كثير من أهل العلم : أن هذا الحكم منسوخ. وهذه دعوى لا دليل عليها. ومنها : أنه ربما استفيد من تلميح الحكم ومعناه ، أن شهادة الكفار ـ عند عدم غيرهم ، حتى في غير هذه المسألة ـ مقبولة ، كما ذهب إلى ذلك ، شيخ الإسلام ابن تيمية.