ومنها : جواز سفر المسلم مع الكافر ، إذا لم يكن محذورا. ومنها : جواز السفر للتجارة. ومنها : أن الشاهدين ـ إذا ارتيب فيهما ، ولم تبد قرينة تدل على خيانتهما ، وأراد الأولياء ـ أن يؤكدوا عليهما اليمين ، يحبسونهما من بعد الصلاة ، فيقسمان بصفة ما ذكر الله تعالى. ومنها : أنه إذا لم تحصل تهمة ولا ريب لم يكن حاجة إلى حبسهما ، وتأكيد اليمين عليهما. ومنها : تعظيم أمر الشهادة ، حيث أضافها تعالى ، إلى نفسه ، وأنه يجب الاعتناء بها ، والقيام بها ، بالقسط. ومنها : أنه يجوز امتحان الشاهدين ، عند الريبة فيهما ، وتفريقهما ، لينظر في قيمة شهادتهما صدقا أو كذبا. ومنها : أنه إذا وجدت القرائن الدالة على كذب الوصيين في هذه المسألة ـ قام اثنان من أولياء الميت ، فأقسما بالله : أن أيماننا أصدق من أيمانهما ، ولقد خانا وكذّبا. ثمّ يدفع إليهما ما ادعياه ، وتكون القرينة ـ مع أيمانهما ـ قائمة مقام البينة.
[١٠٩] يخبر تعالى ، عن يوم القيامة ، وما فيه من الأهوال العظام ، وأن الله يجمع به جميع الرسل فيسألهم : (ما ذا أُجِبْتُمْ) أي : ماذا أجابتكم به أممكم؟ (قالُوا لا عِلْمَ لَنا) وإنّما العلم لك ـ يا ربنا ، فأنت أعلم منا. (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) أي : تعلم الأمور الغائبة والحاضرة.
[١١٠] (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ) أي : اذكرها بقلبك ولسانك ، وقم بواجبها شكرا لربك ، حيث أنعم عليك نعما ، ما أنعم بها على غيرك. (إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ) أي : إذ قويتك بالروح والوحي ، الذي طهرك وزكاك ، وصار لك قوة على القيام بأمر الله والدعوة إلى سبيله. وقيل : إن المراد «بروح القدس» جبريل عليهالسلام ، وأن الله أعانه به ، وبملازمته له ، وتثبيته ، في المواطن المشقة. (تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) المراد بالتكليم هنا ، غير التكليم المعهود الذي هو مجرد الكلام. وإنّما المراد بذلك التكليم الذي ينتفع به المتكلم والمخاطب ، وهو الدعوة إلى الله. ولعيسى عليهالسلام من ذلك ، ما لإخوانه ، من أولي العزم من المرسلين ، من التكليم في حال الكهولة ، بالرسالة والدعوة إلى الخير ، والنهي عن الشر. وامتاز عنهم ، بأنه كلّم الناس في المهد فقال : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) (٣١) الآية. (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) فالكتاب يشمل الكتب السابقة ، وخصوصا التوراة ، فإنه من أعلم أنبياء بني إسرائيل ـ بعد موسى ـ بها. ويشمل الإنجيل الذي أنزله الله عليه. والحكمة هي : معرفة أسرار الشرع ، وفوائده ، وحكمه ، وحسن الدعوة والتعليم ، ومراعاة ما ينبغي ، على الوجه الذي ينبغي. (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) أي : طيرا مصورا ، لا روح فيه. (وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ) الذي : لا بصر له ولا عين. (وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي). فهذه آيات بيّنات ، ومعجزات باهرات ، يعجز عنها الأطباء وغيرهم ، أيد الله بها عيسى ، وقوّى بها دعوته. (وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) لما جاءهم الحقّ مؤيدا بالبينات الموجبة للإيمان به. (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ). وهمّوا بعيسى أن يقتلوه ، وسعوا في ذلك. فكفّ الله أيديهم عنه ، وحفظه منهم ، وعصمه. فهذه منن ، امتنّ الله بها على عبده ورسوله ، عيسى ابن مريم ، ودعاه إلى