إن آمنوا ، زادهم قوة إلى قوتهم. (وَلا تَتَوَلَّوْا) عنه ، أي : عن ربكم (مُجْرِمِينَ) أي : مستكبرين عن عبادته ، متجرئين على محارمه.
[٥٣] (قالُوا) رادين لقوله : (يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) إن كان قصدهم بالبينة البينة التي يقترحونها ، فهذه غير لازمة للحق ، بل اللازم أن يأتي النبي بآية ، تدل على صحة ما جاء به ، وإن كان قصدهم أنه لم يأتهم ببينة تشهد لما قاله بالصحة ، فقد كذبوا في ذلك ، فإنه ما جاء نبي لقومه ، إلا وبعث الله على يديه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر. ولو لم تكن له آية ، إلا دعوته إياهم لإخلاص الدين لله ، وحده لا شريك له ، والأمر بكل عمل صالح ، وخلق جميل ، والنهي عن كل خلق ذميم من الشرك بالله ، والفواحش ، والظلم ، وأنواع المنكرات ، مع ما هو مشتمل عليه هود ، عليهالسلام ، من الصفات ، التي لا تكون إلا لخيار الخلق وأصدقهم ، لكفى بها آيات وأدلة على صدقه. بل أهل العقول ، وأولوا الألباب ، يرون أن هذه الآية ، أكبر من مجرد الخوارق ، التي يراها بعض الناس ، هي المعجزات فقط. ومن آياته ، وبيناته الدالة على صدقه ، أنه شخص واحد ، ليس له أنصار ولا أعوان ، وهو يصرخ في قومه ، ويناديهم ، ويعجزهم ، ويقول لهم : (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ). (إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) (٥٥) ، وهم الأعداء ، الذين لهم السطوة والغلبة ، ويريدون إطفاء ما معه من النور ، بأي طريق كان وهو غير مكترث ، ولا مبال بهم ، وهم عاجزون لا يقدرون أن ينالوه بشيء من السوء ، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون. وقولهم : (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ) أي : لا نترك عبادة آلهتنا لمجرد قولك ، الذي ما أقمت عليه بينة بزعمهم ، (وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) وهذا تأييس منهم لنبيهم هود عليهالسلام في إيمانهم ، وأنهم لا يزالون في كفرهم يعمهون.
[٥٤ ـ ٥٥] (إِنْ نَقُولُ) فيك (إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) أي : أصابتك بخبال وجنون ، فصرت تهذي بما لا يعقل. فسبحان من طبع على قلوب الظالمين ، كيف جعلوا أصدق الخلق الذي جاء بأحق الحق ، بهذه المرتبة التي يستحي العاقل من حكايتها عنهم لو لا أن الله حكاها عنهم. ولهذا بين هود عليه الصلاة والسلام أنه واثق غاية الوثوق أنه لا يصيبه منهم ، ولا من آلهتهم أذى فقال : (إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً) ، أي : اطلبوا إليّ الضرر كلكم ، بكل طريق تتمكنون بها مني (بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً) أي : لا تمهلون.
[٥٦] (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ) أي : اعتمدت في أمري كله على الله (رَبِّي وَرَبِّكُمْ) أي : هو خالق الجميع ، ومدبرنا وإياكم ، وهو الذي ربانا. (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) فلا تتحرك ولا تسكن إلا بإذنه ، فلو اجتمعتم جميعا على الإيقاع بي ، والله لم يسلطكم عليّ ، لم تقدروا على ذلك ، فإن سلطكم ، فلحكمة أرادها. (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي : على عدل ، وقسط ، وحكمة ، وحمد في قضائه وقدره ، وشرعه وأمره ، وفي جزائه وثوابه ، وعقابه ، لا تخرج أفعاله عن الصراط المستقيم ، التي يحمد ، ويثنى عليه بها.
[٥٧] (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عما دعوتكم إليه (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ) فلم يبق عليّ تبعة من شأنكم.