(وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) يقومون بعبادته ، ولا يشركون به شيئا. (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) فإن ضرركم ، إنما يعود إليكم ، فالله لا تضره معصية العاصين ، ولا تنفعه طاعة الطائعين (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) ، (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ).
[٥٨] (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) أي : عذابنا بإرسال الريح العقيم ، التي (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) (٤٢). (نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) أي : عظيم شديد ، أحله الله بعاد ، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم.
[٥٩] (وَتِلْكَ عادٌ) الذين أوقع الله بهم ما أوقع ، بظلم منهم لأنهم (جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) ولهذا قالوا : (ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) ، فتبين بهذا ، أنهم متيقنون لدعوته ، وإنما عاندوا وجحدوا (وَعَصَوْا رُسُلَهُ) ، لأن من عصى رسولا ، فقد عصى جميع المرسلين ، لأن دعوتهم واحدة. (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ) أي : متسلط على عباد الله بالجبروت ، (عَنِيدٍ) أي : معاند لآيات الله ، فعصوا كل ناصح ومشفق عليهم ، واتبعوا كل غاش لهم ، يريد إهلاكهم لا جرم أهلكهم الله.
[٦٠] (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) فما من وقت وجيل ، إلا ولأنبائهم القبيحة ، وأخبارهم الشنيعة ، ذكر يذكرون به ، وذم يلحقهم (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) لهم أيضا لعنة. (أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ) أي : جحدوا من خلقهم ورزقهم ورباهم. (أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ) أي : أبعدهم الله عن كل خير وقربهم من كل شر.
[٦١] أي (وَ) أرسلنا (إِلى ثَمُودَ) وهم : عاد الثانية ، المعروفون ، الذين يسكنون الحجر ، ووادي القرى ، (أَخاهُمْ) في النسب (صالِحاً) عبد الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم ، يدعوهم إلى عبادة الله وحده ، (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) أي : وحدوه ، وأخلصوا له الدين (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) لا من أهل السماء ، ولا من أهل الأرض. (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) أي : خلقكم منها (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) أي : استخلفكم فيها ، وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة ، ومكنكم في الأرض ، تبنون ، وتغرسون ، وتزرعون ، وتحرثون ما شئتم ، وتنتفعون بمنافعها ، وتستغلون مصالحها ، فكما أنه لا شريك له في جميع ذلك ، فلا تشركوا به في عبادته. (فَاسْتَغْفِرُوهُ) مما صدر منكم من الكفر ، والشرك ، والمعاصي ، وأقلعوا عنها ، (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) أي : ارجعوا إليه بالتوبة النصوح ، والإنابة ، (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) أي : قريب ممن دعاه دعاء مسألة ، أو دعاء عبادة. يجيبه بإعطائه سؤاله ، وقبول عبادته ، وإثابته عليها ، أجل الثواب. واعلم أن قربه تعالى نوعان : عام ، وخاص. فالقرب العام ، قربه بعلمه ، من جميع الخلق ، وهو المذكور في قوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ، والقرب الخاص ، قربه من عابديه ، وسائليه ، ومحبيه ، وهو المذكور في قوله تعالى : (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ). وفي هذه الآية ، وفي قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) ، وهذا النوع ، قرب يقتضي إلطافه تعالى ، وإجابته لدعواتهم ، وتحقيقه لمراداتهم ، ولهذا يقرن باسمه «القريب» اسمه «المجيب». فلما أمرهم نبيهم صالح عليهالسلام ، ورغبهم في الإخلاص لله وحده ، ردوا عليه دعوته ، وقابلوه أشنع المقابلة.