[٦٢ ـ ٦٥] (قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا) أي : قد كنا نرجوك ونؤمل فيك العقل والنفع ، وهذه شهادة منهم ، لنبيهم صالح ، أنه ما زال معروفا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، وأنه من خيار قومه. ولكنه ، لما جاءهم بهذا الأمر ، الذي لا يوافق أهواءهم الفاسدة ، قالوا هذه المقالة التي مضمونها ، أنك قد كنت كاملا ، والآن أخلفت ظننا فيك ، وصرت بحالة لا يرجى منك خير. وذنبه ، ما قالوه عنه : (أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) وبزعمهم أن هذا من أعظم القدح في صالح ، كيف قدح في عقولهم ، وعقول آبائهم الضالين ، وكيف ينهاهم عن عبادة من لا ينفع ولا يضر ، ولا يغني شيئا من الأحجار ، والأشجار ونحوها. وأمرهم بإخلاص الدين لله ربهم ، الذي لم تزل نعمه عليهم تترى ، وإحسانه عليهم دائما ينزل ، الذي ، ما بهم من نعمة ، إلا منه ، ولا يدفع عنهم السيئات إلا هو. (وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) أي : ما زلنا شاكين فيما دعوتنا إليه ، شكا مؤثرا في قلوبنا الريب. وبزعمهم أنهم لو علموا صحة ما دعاهم إليه ، لا تبعوه ، وهم كذبة في ذلك. ولهذا بين كذبهم في قوله : (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي : برهان ويقين مني (وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً) أي : من عليّ برسالته ووحيه ، أي : أفأتابعكم على ما أنتم عليه ، وما تدعوننى إليه؟ (فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ) أي : غير خسار وتباب ، وضرر. (وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) لها شرب من البئر يوما ، ثم يشربون كلهم من ضرعها ، ولهم شرب يوم معلوم. (فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) أي : ليس عليكم من مؤنتها وعلفها شيء ، (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) أي : بعقر (فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ). (فَعَقَرُوها فَقالَ) لهم صالح : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) بل لا بد من وقوعه.
[٦٦ ـ ٦٧] (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) بوقوع العذاب (نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) أي : نجيناهم من العذاب والخزي والفضيحة. (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) ومن قوته وعزته ، أن أهلك الأم الطاغية ، ونجّى الرسل وأتباعهم ، (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) فقطعت قلوبهم ، (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) أي : خامدين لا حراك لهم.
[٦٨] (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) أي : كأنهم ـ لما جاءهم العذاب ـ ما تمتعوا في ديارهم ، ولا أنسوا فيها ، ولا تنعموا بها يوما من الدهر ، قد فارقهم النعيم ، وتناولهم العذاب السرمدي الذي لا ينقطع ، والذي كأنه لم يزل. (أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ) أي : جحدوه بعد أن جاءتهم الآية المبصرة ، (أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) فما أشقاهم وأذلهم ، نستجير بالله من عذاب الدنيا وخزيها.
[٦٩] أي : (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا) من الملائكة الكرام ، رسولنا (إِبْراهِيمَ) الخليل (بِالْبُشْرى) أي : بالبشارة بالولد ، حين أرسلهم الله لإهلاك قوم لوط ، وأمرهم أن يمروا على إبراهيم ، فيبشروه بإسحاق ، فلما دخلوا عليه (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) أي : سلموا عليه ، ورد عليهمالسلام. ففي هذا مشروعية السلام ، وأنه لم يزل من ملة