على قساوة القلوب وكثرة الذنوب. (وَما ظَلَمُونا) يعني بتلك الأفعال المخالفة لأوامرنا لأن الله لا تضره معصية العاصين ، كما لا تنفعه طاعات الطائعين ، (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) فيعود ضرره عليهم.
[٥٨] وهذا أيضا من نعمته عليهم بعد معصيتهم إياه ، فأمرهم بدخول قرية تكون لهم عزا ووطنا ومسكنا ، ويحصل لهم فيها الرزق الرغد ، وأن يكون دخولهم على وجه خاضعين لله فيه بالفعل ، وهو دخول الباب (سُجَّداً) ، أي : خاضعين ذليلين ، وبالقول ، وهو أن يقولوا (حِطَّةٌ) ، أي : أن يحط عنهم خطاياهم بسؤالهم إياه مغفرته. (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) بسؤالكم المغفرة ، (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) بأعمالهم ، أي : جزاء عاجلا وآجلا.
[٥٩] (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) منهم ، ولم يقل فبدلوا لأنهم لم يكونوا كلهم بدلوا (قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) فقالوا بدل حطة : حبة في حنطة ، استهانة بأمر الله ، واستهزاء ، وإذا بدلوا القول مع خفته فتبديلهم للفعل من باب أولى وأحرى ، ولهذا دخلوا يزحفون على أدبارهم ، ولما كان هذا الطغيان أكبر سبب لوقوع عقوبة الله بهم ، قال : (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) «منهم» (رِجْزاً) ، أي : عذابا (مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) بسبب فسقهم وبغيهم.
[٦٠] (وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ) ، أي : طلب لهم ماء يشربون منه ، (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) ، إما حجر مخصوص معلوم عنده ، وإما اسم جنس ، (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) وقبائل بني إسرائيل اثنتا عشرة قبيلة ، (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) ، أي : محلهم الذي يشربون عليه من هذه الأعين ، فلا يزاحم بعضهم بعضا ، بل يشربونه متهنئين لا متكدرين ، ولهذا قال : (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ) ، أي : الذي آتاكم من غير سعي ولا تعب ، (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ، أي : تخربوا على وجه الإفساد.
[٦١] (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى) ، أي : واذكروا ، إذ قلتم لموسى على وجه التملل لنعم الله والاحتقار لها ، (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) ، أي : جنس من الطعام ، وإن كان كما تقدم أنواعا ، لكنها لا تتغير ، (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها) ، أي : نباتها الذي ليس بشجر يقوم على ساقه ، (وَقِثَّائِها) وهو الخيار (وَفُومِها) ، أي : ثومها ، (وَعَدَسِها وَبَصَلِها) والعدس والبصل معروف. (قالَ) لهم موسى : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى) وهو الأطعمة المذكورة ، (بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) وهو المن والسلوى ، فهذا غير لائق بكم ، فإن هذه الأطعمة التي طلبتموها ، أيّ مصر هبطتموه وجدتموها ، وأما طعامكم الذي منّ الله به عليكم ، فهو خير الأطعمة وأشرفها ، فكيف تطلبون به بدلا؟ ولما كان الذي جرى منهم فيه أكبر دليل على قلة صبرهم واحتقارهم لأوامر الله ونعمه ، جازاهم من جنس عملهم ، فقال : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) التي تشاهد على ظاهر أبدانهم (وَالْمَسْكَنَةُ) بقلوبهم ، فلم تكن أنفسهم عزيزة ، ولا لهم همم عالية ، بل أنفسهم أنفس مهينة ، وهممهم أردا الهمم. (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) ، أي : لم تكن غنيمتهم التي رجعوا بها وفازوا ، إلا أن رجعوا بسخطه عليهم ، فبئست الغنيمة غنيمتهم ، وبئست الحالة حالتهم.