والظلمة على المسلمين عرف أن ذلك ، من أجل ذنوبهم ، عقوبة لهم ، وأنهم إذا أقاموا كتاب الله ، وسنة رسوله ، مكّن لهم في الأرض ، ونصرهم على أعدائهم.
[٩] يخبر تعالى عن شرف القرآن وجلالته ، وأنه (يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) أي : أعدل وأعلى ، من العقائد ، والأعمال ، والأخلاق ، فمن اهتدى بما يدعو إليه القرآن ، كان أكمل الناس ، وأقومهم ، وأهداهم في جميع الأمور. (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ) من الواجبات والسنن. (أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) أعده الله لهم في دار كرامته ، لا يعلم وصفه إلا هو.
[١٠] (وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١٠) ، فالقرآن مشتمل على البشارة والنذارة ، وذكر الأسباب التي تنال بها البشارة ، وهو الإيمان ، والعمل الصالح ، والتي تستحق بها النذارة وهو ضد ذلك.
[١١] وهذا من جهل الإنسان وعجلته ، حيث يدعو على نفسه وأولاده بالشر عند الغضب ، ويبادر بذلك الدعاء ، كما يبادر بالدعاء في الخير ، ولكن الله ـ من لطفه ـ يستجيب له في الخير ، ولا يستجيب له بالشر. (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ).
[١٢] يقول تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) أي : دالتين على كمال قدرة الله وسعة رحمته ، وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له. (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) أي : جعلناه مظلما ، للسكون فيه ، والراحة ، (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) أي : مضيئة (لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) في معايشكم ، وصنائعكم ، وتجاراتكم ، وأسفاركم. (وَلِتَعْلَمُوا) بتوالي الليل والنهار واختلاف القمر (عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) فتبنون عليها ما تشاؤون ، من مصالحكم. (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) أي : بينا الآيات ، وصرفناه ، لتتميز الأشياء ، ويتبين الحق من الباطل ، كما قال تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ).
[١٣ ـ ١٤] وهذا إخبار عن كمال عدله ، أن كل إنسان يلزمه (طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) ، أي : ما عمل من خير وشر ، يجعله الله ملازما له ، لا يتعداه إلى غيره ، فلا يحاسب بعمل غيره ولا يحاسب غيره بعمله. (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) فيه عمله ، من الخير والشر ، حاضرا ، صغيره وكبيره ، ويقال له : (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (١٤). وهذا من أعظم العدل والإنصاف ، أن يقال للعبد : حاسب نفسك ، ليعرف ما عليه من الحق الموجب للعقاب.
[١٥] أي : هداية كل أحد وضلاله لنفسه ، ولا يحمل أحد ذنب أحد ولا يدفع عنه مثقال ذرة من الشر. والله تعالى أعدل العادلين. لا يعذب أحدا حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة ، ثم يعاند الحجة. وأما من انقاد للحجة ، أو لم تبلغه حجة الله تعالى ، فإن الله تعالى لا يعذبه. استدل بهذه الآية على أن أهل الفترات ، وأطفال المشركين ، لا يعذبهم الله ، حتى يبعث إليهم رسولا ، لأنه منزه عن الظلم.
[١٦ ـ ١٧] يخبر تعالى أنه إذا أراد أن يهلك قرية من القرى الظالمة ، ويستأصلها بالعذاب ، أمر مترفيها ، أمرا