إليه ، ويرشده إلى ما ينفعه.
[٨٦ ـ ٨٧] يخبر تعالى أن القرآن والوحي ، الذي أوحاه إلى رسوله ، رحمة منه عليه ، وعلى عباده ، وهو أكبر النعم على الإطلاق على رسوله ، فإن فضل الله عليه كبير ، لا يقادر قدره. فالذي تفضل به عليك ، قادر على أن يذهب به ، ثم لا تجد رادا يرده ، ولا وكيلا يتوجه عند الله فيه. فلتغتبط به ، ولتقرّ به عينك ، ولا يحزنك تكذيب المكذبين ، ولا استهزاء الضالين. فإنهم عرضت عليهم أجلّ النعم ، فردوها ، لهوانهم على الله ، وخذلانه لهم.
[٨٨] (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٨٨) وهذا دليل قاطع ، وبرهان ساطع ، على صحة ما جاء به الرسول وصدقه. حيث تحدى الله الإنس والجن أن يأتوا بمثله ، وأخبر أنهم لا يأتون بمثله ، ولو تعاونوا كلهم على ذلك لم يقدروا عليه. ووقع كما أخبر الله ، فإن دواعي أعدائه المكذبين به ، متوفرة على رد ما جاء به ، وبأي وجه كان ، وهم أهل اللسان والفصاحة. فلو كان عندهم أدنى تأهل ، وتمكن من ذلك ، لفعلوه. فعلم بذلك ، أنهم أذعنوا غاية الإذعان ، طوعا وكرها ، وعجزوا عن معارضته. وكيف يقدر المخلوق من تراب ، الناقص من جميع الوجوه ، الذي ليس له علم ، ولا قدرة ، ولا إرادة ، ولا مشيئة ، ولا كلام ولا كمال ، إلا من ربه أن يعارض كلام رب الأرض والسموات ، المطلع على سائر الخفيات ، الذي له الكمال المطلق ، والحمد المطلق ، والمجد العظيم ، الذي لو أن البحر يمده من بعده سبعة أبحر مدادا ، والأشجار كلها أقلام ، لنفد المداد ، وفنيت الأقلام ، ولم تنفد كلمات الله. فكما أنه ليس أحد من المخلوقين ، مماثلا لله في أوصافه ، فكلامه من أوصافه ، التي لا يماثله فيها أحد. فليس كمثله شيء ، في ذاته ، وأسمائه ، وصفاته ، وأفعاله تبارك وتعالى. فتبا لمن اشتبه عليه كلام الخالق بكلام المخلوق ، وزعم أن محمدا صلىاللهعليهوسلم افتراه على الله واختلقه من نفسه.
[٨٩] يقول تعالى : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) أي : نوعنا فيه المواعظ والأمثال ، وثنينا فيه المعاني ، التي يضطر إليها العباد ، لأجل أن يتذكّروا ويتقوا ، فلم يتذكر إلا القليل منهم ، الّذين سبقت لهم من الله ، سابقة السعادة ، وأعانهم الله بتوفيقه. وأما أكثر الناس ، فأبوا إلا كفورا لهذه النعمة التي هي أكبر من جميع النعم ، وجعلوا يتعنتون عليه باقتراح آيات ، غير آياته ، يخترعونها من تلقاء أنفسهم الظالمة الجاهلة.
[٩٠ ـ ٩٣] فيقولون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم الذي أتى بهذا القرآن المشتمل على كل برهان وآية : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) أي : أنهارا جارية. (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ) فتستغني بها عن المشي في الأسواق والذهاب والمجيء. (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً) أي : قطعا من العذاب. (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) أي : جميعا ، أو مقابلة ومعاينة ، يشهدون لك بما جئت به. (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) أي : مزخرف بالذهب وغيره. (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ) رقيا حسيا. (وَ) مع هذا (لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ). ولما كانت هذه تعنتات ، وتعجيزات ، وكلام أسفه الناس وأظلمهم ، المتضمنة لرد الحق ، وسوء أدب مع الله ، وأن