الأهواء جملة ، كالرافضة ، وتفصيلا مثل كثير من المنتسبين إلى الفقهاء. انتهى.
[٨٠] ذكر أفعالهم القبيحة ، ثم ذكر ـ مع هذا ـ أنهم يزكون أنفسهم ، ويشهدون لها بالنجاة من عذاب الله ، والفوز بثوابه ، وأنهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودة ، أي : قليلة تعد بالأصابع ، فجمعوا بين الإساءة والأمن. ولما كان هذا مجرد دعوى ، رد الله تعالى عليهم ، فقال : (قُلْ) لهم يا أيها الرسول (أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً) ، أي : بالإيمان به وبرسله وبطاعته ، فهذا الوعد الموجب لنجاة صاحبه الذي لا يتغير ولا يتبدل ، (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)؟ فأخبر تعالى أن صدق دعواهم متوقف على أحد هذين الأمرين اللذين لا ثالث لهما. إما أن يكونوا قد اتخذوا عند الله عهدا ، فتكون دعواهم صحيحة. وإما أن يكونوا متقولين عليه ، فتكون كاذبة ، فيكون أبلغ لخزيهم وعذابهم. وقد علم من حالهم أنهم لم يتخذوا عند الله عهدا ، لتكذيبهم كثيرا من الأنبياء ، حتى وصلت بهم الحال إلى أن قتلوا طائفة منهم ، ولنكولهم عن طاعة الله ونقضهم المواثيق ، فتعين بذلك ، أنهم متقولون مختلقون ، قائلون عليه ما لا يعلمون ، والقول عليه بلا علم من أعظم المحرمات ، وأشنع القبيحات.
[٨١] ثم ذكر تعالى حكما عاما لكل أحد ، يدخل فيه بنو إسرائيل وغيرهم ، وهو الحكم الذي لا حكم غيره ، لا أمانيهم ودعاويهم بصفة الهالكين والناجين ، فقال : (بَلى) ، أي : ليس الأمر كما ذكرتم ، فإنه قول لا حقيقة له ، ولكن (مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) وهو نكرة في سياق الشرط ، فيعم الشرك فما دونه ، والمراد به ـ هنا ـ الشرك ، بدليل قوله : (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) ، أي : أحاطت بعاملها ، فلم تدع له منفذا ، وهذا لا يكون إلا الشرك ، فإن من معه الإيمان لا تحيط به خطيئته. (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ، وقد احتج بها الخوارج على كفر صاحب المعصية ، وهي حجة عليهم كما ترى ، فإنها ظاهرة في الشرك ، وهكذا كل مبطل يحتج بآية ، أو حديث صحيح على قوله الباطل ، فلا بد أن يكون فيما احتج به حجة عليه.
[٨٢] (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ، ولا تكون الأعمال صالحة إلا بشرطين : أن تكون خالصة لوجه الله ، متبعا بها سنة رسوله. فحاصل هاتين الآيتين ، أن أهل النجاة والفوز هم أهل الإيمان والعمل الصالح ، والهالكون أهل النار هم المشركون بالله ، الكافرون به. فهذه الشرائع من أصول الدين ، التي أمر الله بها في كل شريعة ، لاشتمالها على المصالح العامة في كل زمان ومكان ، فلا يدخلها نسخ ، كأصل الدين ، ولهذا أمرنا بها في قوله : (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) إلى آخر الآية.
[٨٣] فقوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) ، هذا من قسوتهم أن كل أمر أمروا به ، استعصوا فلا يقبلونه إلا بالأيمان الغليظة ، والعهود الموثقة. (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) هذا أمر بعبادة الله وحده ، ونهي عن الشرك به ، وهذا أصل الدين ، فلا تقبل الأعمال كلها ، إن لم يكن هذا أساسها ، فهذا حق الله تعالى على عباده ، ثم قال : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ، أي : أحسنوا بالوالدين إحسانا ، وهذا يعم كل إحسان ، قولي وفعلي ، مما هو إحسان إليهم ، وفيه النهي