مصدقا لما تقدمه من الكتب ـ غير مخالف لها ولا مناقض ، وفيه الهداية التامة من أنواع الضلالات ، والبشارة بالخير الدنيوي والأخروي ، لمن آمن به ، فالعداوة لجبريل الموصوف بذلك ، كفر بالله وآياته ، وعداوة لله ولرسله وملائكته ، فإن عداوتهم لجبريل ، لا لذاته ، بل لما ينزل به من عند الله من الحق ، على رسل الله. فيتضمن الكفر والعداوة ، للذي أنزله وأرسله ، والذي أرسل به ، والذي أرسل إليه ، فهذا وجه ذلك.
[٩٩] يقول لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ) تحصل بها الهداية لمن استهدى ، وإقامة الحجة على من عاند ، وهي في الوضوح والدلالة على الحق ، قد بلغت مبلغا عظيما ، ووصلت إلى حالة لا يمتنع من قبولها إلا من فسق عن أمر الله ، وخرج عن طاعة الله ، واستكبر غاية التكبر ، وهذا فيه التعجب من كثرة معاهداتهم ، وعدم صبرهم على الولاء بها.
[١٠٠] (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (١٠٠) ف (كُلَّما) تفيد التكرار ، فكلما وجد العهد ترتب عليه النقض. ما السبب في ذلك؟
السبب أن أكثرهم لا يؤمنون ، فعدم إيمانهم هو الذي أوجب لهم نقض العهود ، ولو صدق إيمانهم ، لكانوا مثل من قال الله فيهم : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ).
[١٠١] (وَلَمَّا جاءَهُمْ) ، أي : ولما جاءهم هذا الرسول الكريم بالكتاب العظيم بالحق الموافق لما معهم ، وكانوا يزعمون أنهم متمسكون بكتابهم ، فلما كفروا بهذا الرسول وبما جاء به. (نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ) ، الذي أنزل إليهم ، أي : طرحوه رغبة عنه (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) ، وهذا أبلغ في الإعراض كأنهم في فعلهم هذا من الجاهلين ، وهم يعلمون صدقه ، وحقيقة ما جاء به. تبين بهذا أن هذا الفريق من أهل الكتاب لم يبق في أيديهم شيء حيث لم يؤمنوا بهذا الرسول ، فصار كفرهم به كفرا بكتابهم من حيث لا يشعرون. ولما كان من العوائد القدسية والحكمة الإلهية أن من ترك ما ينفعه ، وأمكنه الانتفاع به ولم ينتفع ، ابتلي بالاشتغال بما يضره ، فمن ترك عبادة الرحمن ، ابتلي بعبادة الأوثان ، ومن ترك محبة الله وخوفه ورجاءه ، ابتلي بمحبة غير الله وخوفه ورجائه ، ومن لم ينفق ماله في طاعة الله ، أنفقه في طاعة الشيطان ، ومن ترك الذل لربه ، ابتلي بالذل للعبيد ، ومن ترك الحق ابتلي بالباطل. كذلك هؤلاء اليهود لما نبذوا كتاب الله اتبعوا ما تتلو الشياطين وتختلق من السحر على ملك سليمان حيث أخرجت الشياطين للناس السحر ، وزعموا أن سليمان عليهالسلام كان يستعمله ، وبه حصل له الملك العظيم. وهم كذبة في ذلك فلم يستعمله سليمان ، بل نزّهه الصادق في قوله :
[١٠٢] (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) ، أي : بتعلم السحر ، فلم يتعلمه ، (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) في ذلك. (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) من إضلالهم وحرصهم على إغواء بني آدم ، وكذلك اتبع اليهود السحر الذي أنزل على الملكين الكائنين بأرض بابل من أرض العراق ، أنزل عليهما السحر امتحانا وابتلاء من الله لعباده فيعلمانهم السحر. (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى) ينصحاه ، و (يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) ، أي : لا تتعلم السحر فإنه كفر ، فينهيانه عن