أنفسهم ، ووالديهم ، فما ظنك بما يعاملهم به ولا يهلك على الله ، إلا هالك ، ولا يخرج من رحمته ، إلا من غلبت عليه الشقاوة ، وحقت عليه كلمة العذاب.
[٢٧] (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ) بشركه وكفره ، وتكذيبه للرسل (عَلى يَدَيْهِ) تأسفا ، وتحسرا ، وحزنا ، وأسفا. (يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) أي : طريقا بالإيمان به ، وتصديقه واتباعه.
[٢٨] (يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً) (٢٨) وهو الشيطان الإنسي ، أو الجني ، (خَلِيلاً) أي : حبيبا مصافيا ، عاديت أنصح الناس لي ، وأبرهم بي ، وأرفقهم بي. وواليت أعدى عدو لي ، الذي لم تفدني ولايته ، إلا الشقاء والخسار والخزي ، والبوار.
[٢٩] (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي) حيث زين له ، ما هو عليه من الضلال ، بخدعه وتسويله. (وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) يزين له الباطل ، ويقبح له الحقّ ، ويعده الأماني ، ثمّ يتخلى عنه ، ويتبرأ منه ، كما قال لجميع أتباعه ، حين قضي الأمر ، وفرغ الله من حساب الخلق (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) الآية. فلينظر العبد لنفسه وقت الإمكان ، وليتدارك الممكن قبل أن لا يمكن ، وليوال من ولايته ، فيها سعادته ، وليعاد من تنفعه عداوته ، وتضره صداقته. والله الموفق.
[٣٠] (وَقالَ الرَّسُولُ) مناديا لربه ، وشاكيا له إعراض قومه عما جاء به ، ومتأسفا على ذلك منهم : (يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي) الّذين أرسلتني لهدايتهم وتبليغهم ، (اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) أي : قد أعرضوا عنه ، وهجروه ، وتركوه ، مع أن الواجب عليهم ، الانقياد لحكمه ، والإقبال على أحكامه ، والمشي خلفه.
[٣١] قال الله مسليا لرسوله ، ومخبرا ، أن هؤلاء الخلق ، لهم سلف ، صنعوا كصنيعهم ، فقال : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) أي : من الّذين لا يصلحون للخير ، ولا يزكون عليه ، يعارضونهم ، ويردون عليهم ، ويجادلونهم بالباطل. من بعض فوائد ذلك ، أن يعلو الحقّ على الباطل ، وأن يتبين الحقّ ، ويتضح اتضاحا عظيما لأن معارضة الباطل للحق ، مما تزيده وضوحا وبيانا ، وكمال استدلال ، وأن نتبين ما يفعل الله بأهل الحقّ من الكرامة ، وبأهل الباطل من العقوبة. فلا تحزن عليهم ، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات. (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً) يهديك ، فيحصل لك المطلوب ، ومصالح دينك ودنياك. (وَنَصِيراً) ينصرك على أعدائك ، ويدفع عنك كل مكروه ، في أمر الدين والدنيا ، فاكتف به ، وتوكل عليه.
[٣٢] هذا من جملة مقترحات الكفار ، الذي توحيه إليهم أنفسهم فقالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) وأي محذور من نزوله على هذا الوجه؟ بل نزوله على هذا الوجه أكمل وأحسن. ولهذا قال : (كَذلِكَ) أنزلناه متفرقا (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) لأنه كلما نزل عليه شيء من القرآن ، ازداد طمأنينة وثباتا ، وخصوصا عند ورود أسباب القلق ، فإن نزول القرآن عند حدوث السبب ، يكون له موقع عظيم ، وتثبيت كثير ، أبلغ مما لو كان نازلا قبل ذلك ، ثمّ