تذكره عند حلول سببه. (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) أي : مهلناه ، ودرجناك فيه تدريجا. وهذا كله يدل على اعتناء الله بكتابه القرآن ، وبرسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ، حيث جعل إنزال كتابه ، جاريا على أحوال الرسول ومصالحه الدينية.
[٣٣] ولهذا قال : (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ) يعارضون به الحقّ ، ويدفعون به رسالتك. (إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) أي : أنزلنا عليك قرآنا جامعا للحق في معانيه ، والوضوح ، والبيان التام في ألفاظه ، فمعانيه كلها ، حق وصدق ، لا يشوبها باطل ولا شبهة ، بوجه من الوجوه. وألفاظه وحدوده للأشياء ، أوضح ألفاظا ، وأحسن تفسيرا ، مبين للمعاني بيانا كاملا. وفي هذه الآية ، دليل على أنه ينبغي للمتكلم في العلم ، من محدث ، ومعلم ، وواعظ ، أن يقتدي بربه ، في تدبيره ، حال رسوله. كذلك العالم ، يدبر أمر الخلق ، وكلما حدث موجب ، أو حصل موسم ، أتى بما يناسب ذلك ، من الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، والمواعظ الموافقة لذلك. وفيه رد على المتكلفين ، من الجهمية ونحوهم ، ممن يرى أن كثيرا من نصوص القرآن محمولة على غير ظاهرها ، ولها معان غير ما يفهم منها. فإذا ـ على قولهم ـ لا يكون القرآن أحسن تفسيرا من غيره ، وإنّما التفسير الأحسن ـ على زعمهم ـ تفسيرهم الذي حرفوا له المعاني تحريفا.
[٣٤] يخبر تعالى ، عن حال المشركين الّذين كذبوا رسوله ، وسوء مآلهم وأنهم (يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ) في أشنع مرأى ، وأفظع منظر ، تسحبهم ملائكة العذاب ، ويجرونهم (إِلى جَهَنَّمَ) الجامعة لكل عذاب وعقوبة. (أُوْلئِكَ) الّذين بهذه الحال (شَرٌّ مَكاناً) ممن آمن بالله وصدق رسله. (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل ، فيما ليس في الطرف الآخر منه شيء ، فإن المؤمنين ، حسن مكانهم ، ومستقرهم ، واهتدوا في الدنيا إلى الصراط المستقيم ، وفي الآخرة إلى الوصول ، إلى جنات النعيم.
[٣٥ ـ ٤٠] أشار تعالى إلى هذه القصص ، وقد بسطها في آيات أخر ، ليحذّر المخاطبين ، من استمرارهم على تكذيب رسولهم ، فيصيبهم ما أصاب هؤلاء الأمم ، الّذين كانوا قريبا منهم ، ويعرفون قصصهم ، بما استفاض واشتهر عنهم. ومنهم من يرون آثارهم ، عيانا ، كقوم صالح في الحجر ، وكالقرية التي أمطرت مطر السّوء ، بحجارة من سجيل ، يمرون عليهم ، مصبحين ، وبالليل في أسفارهم. فإن أولئك الأمم ، ليسوا شرا منهم ، ورسلهم ، ليسوا خيرا من رسول هؤلاء. (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ) (٤٣). ولكن الذي منع هؤلاء من الإيمان ـ مع ما شاهدوا من الآيات ـ أنهم كانوا لا يرجون بعثا ولا نشورا ، فلا يرجون لقاء ربهم ، ولا يخشون نكاله ، فلذلك استمروا على عنادهم ، وإلا ، فقد جاءهم من الآيات ، ما لا يبقى معه شك ولا شبهة ، ولا إشكال ، ولا ارتياب.
[٤١] (وَإِذا رَأَوْكَ) يا محمد ، أي : هؤلاء المكذبون لك ، المعاندون لآيات الله ، المستكبرون في الأرض ، استهزؤوا بك ، واحتقروك ، وقالوا ـ على وجه الاحتقار والاستصغار ـ : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) أي : غير مناسب ، ولا لائق ، أن يبعث الله هذا الرجل ، وهذا من شدة ظلمهم وعنادهم ، وقلبهم الحقائق ، فإن كلامهم هذا يفهم أن الرسول ـ حاشاه ـ في غاية الخسة والحقارة ، وأنه لو كانت الرسالة لغيره ، لكان أنسب. (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا