كلمة (في) على ربط زيد بالدار لا بالدكّان والفندق ، وهذا المعنى من المفهوم وضعي دلالي ، لا أنّه إيجادي محض بلا وضع ومفهوم.
وبتقريب آخر : إنّ كلمة (في) في جملة (زيد في الدار) ـ باعتبار دلالتها على ما وضع له في اللغة العربية لهذا المعنى الخاصّ من الظرفيّة ـ رابطة بين جزئي هذا الكلام الذي لا ربط لأحدهما بالآخر في حدّ ذاتها قبل تحقّق هذا الشكل من التركيب المشاهد.
فانقدح بما ذكرناه في المقام أنّه كما أنّ الأسماء حاكية عن مفاهيمها الاستقلالية في كيانها بحدّ ذاتها بأنفسها في وعاء المفهومية ، كذلك يكون أمر الحروف من حيث الحكاية عن المفاهيم غير المستقلّة ، ومن حيث الحكاية لا فرق بينهما ، والفرق إنّما يكون بالاستقلال في الأوّل وعدمه في الثاني ، فالحاكي في الإثبات والدلالة عن تعلّق قصد المتكلّم في مقام الثبوت عند التخاطب بإبلاغ المعاني الاستقلالية هو الأسماء ، والحاكي عن تعلّق القصد كذلك بإبلاغ المعاني غير الاستقلالية هو الحروف وأمثالها.
فصارت النتيجة عند ذلك عدم الفرق بين الاسم والحرف إلّا في نكتة واحدة ، وهي عبارة عن أنّ المعنى الاسمي مستقلّ بحدّ ذاته في عالم المفهوم والمعنى ، ولأجل ذلك يتّصف المفهوم الاسمي بالإخطاريّة ، والمعنى الحرفي غير مستقلّ كذلك فليس بإخطاريّ ، فلا يخطر إلى الذهن إلّا في ضمن المفاهيم الاستقلالية ، وهذا المقدار من التبعية لا يوجب أن يكون إيجاديا محضا ويكون مفهومها الموجود المسلّم في معرض الغفلة والتجاهل.
وقد تبيّن بما ذكرناه بطلان ما أفاده قدسسره من أنّ المفهوم والمعنى إمّا إخطاري وإمّا إيجادي غير مستقلّ ولا ثالث لهما ، وإنّما الأوّل معنى اسمي والثاني معنى حرفي.