والمحاورة أو ما يشابهه على نحو القضيّة الحقيقيّة ، لا بمعنى أنّه جعل بإزاء كلّ حصّة أو حالة من الحالات حرفا مخصوصا وبهذا المنوال طابق النعل بالنعل ، أو ما يحذو حذوه على نحو الوضع الخاصّ والموضوع له الخاصّ ؛ إذ قد عرفت أنّ ذلك يكون من المستحيل بحسب العادة من ناحية عدم تناهي الحالات والخصوصيات والحصص.
فكلمة (في) في جملة : «الصلاة في المسجد حكمها كذا» ، تدلّ على أنّ المتكلّم والشارع أراد بيان مطلوبيّة حصّة خاصّة من الصلاة عند المفاهمة ، وليس إلّا في مقام بيان حكم هذه الحصّة ، لا الطبيعي الشامل لكلّ فرد من الأفراد التي تنطبق عليها طبيعة الصلاة المطلقة من دون أن تكون كلمتي الصلاة والمسجد دالّتان على شيء من ذلك غير ما لهما من المفهوم المطلق اللابشرط ، وهذا التضييق والتخصيص إنّما يكون مستفادا من الحرف المأخوذ في الكلام بلا أيّ ربط بهما بما لهما من المفهوم بالوضوح والإشراق.
وبالجملة ، فقد انقدح من جميع ما ذكرناه في المقام أنّ مفهوم الصلاة كلّي قابل للانطباق على الكثيرين من الأفراد والمصاديق والحصص من حيث الأمكنة والأزمنة كسائر المفاهيم الكلّية ، فإذا كان المطلوب والواجب منها عند الشارع فرد خاصّ كالصلاة في المسجد فبإبراز كلمة (في) في كلامه يتقيّد بالمسجد ، إذ من دون ذلك التقييد لا يستفاد من إطلاق كلمة الصلاة ذلك التقييد والتخصيص ، إذ مفهوم الصلاة موسّع قابل للتخصيص بغير المسجد من الأمكنة.
فبما أنّ بيان هذا المقصود من التضييق والتقييد لا يمكن إفهامه من إطلاق لفظ الصلاة ، فلا بدّ للشارع ـ بل كلّ من يطلب شيئا خاصّا من الطبائع الكلّية من المكلّفين ـ من أخذ لفظ خاصّ في الكلام ليكون هو المفهم لهذا المقصود الخاصّ من الكلام المركّب ، كقولك للمكلّف : صلّ في المسجد ، إذ من الواضح