الرابع : أنّ القول بالصحيح والأعمّ في تصوير الجامع المزبور على حدّ سواء (١).
هذا تمام الكلام في ما أفاده قدسسره.
أمّا الأمر الأوّل ، فهو وإن كان متينا ، إلّا أنّه خارج عن محلّ الكلام.
وأمّا الأمر الثاني فيردّه أنّ الأمر في الماهيّات الاعتبارية لا يكون مبهما بوجه من الوجوه أصلا ، ضرورة أنّ للصلاة مثلا حقيقة من قبل مخترعها وجاعلها ، وهي أجزاؤها الرئيسة التي هي عبارة عن مقولة الكيف والوضع وأمثالهما ، ومن الواضح المعلوم أنّه ليس فيها أيّ إبهام وغموض ، كيف ، فإنّ الإبهام لا يعقل أن يدخل في تجوهر ذات الشيء ، فالشيء بجوهر ذاته متعيّن ومتحصّل لا محالة من دون أيّ إبهام فيه من هذه الناحية ، وإنّما يتصوّر الإبهام فيها بلحاظ الطوارئ وعوارضها الخارجيّة كما صرّح هو قدسسره بذلك في الماهيات المتأصّلة.
فحقيقة الصلاة حقيقة مشخّصة متعيّنة يتحصّل ويتجوهر ذاتها في حدّ نفسها ، وإنّما الإبهام فيها بلحاظ الطوارئ والعوارض الخارجيّة ، وعليه فالعمل المبهم إلّا من حيث النهي عن الفحشاء ، أو فريضة الوقت لا يعقل أن يكون جامعا ذاتيا ومنطقيا على جميع مراتبها المختلفة زيادة ونقيصة انطباق الكلّي على أفراده ، ومتّحدا معها اتّحاد الطبيعي مع مصاديقه ضرورة ؛ إذ قد عرفت أنّ (الصلاة) مركّبة من عدّة مقولات متباينة ، فلا يمكن أن تدخل وتندرج تحت جامع ذاتي حقيقي فلسفي ، فلا محالة يكون ما فرض جامعا عنوانا عرضيّا لها ومنتزعا عنها ، إذ لا ثالث بين الذاتي والعرضي ، ومن الواضح جدّا أنّ لفظ الصلاة لم يوضع بإزاء هذا العنوان ، وإلّا لترادف اللفظان وباطل حتما ويقينا.
__________________
(١) نهاية الدراية ١ : ٦٢.