من جهة ما بيّناه في ابتداء الكتاب من البحث في مقام الفرق بين المسائل الاصوليّة ومسائل بقيّة العلوم من أنّ كلّ مسألة اصوليّة ترتكز على ركيزتين أساسيّتين :
الاولى : أن تقع كبرى في طريق استنباط الحكم الشرعي الكلّي الإلهي ، وبهذا الامتياز امتازت المسائل الاصوليّة عن القواعد الفقهية بأجمعها ، حسب ما تقدّم البيان في تلك الجهة بالتفصيل بما لا مزيد عليه.
الثانية : أن يكون وقوعها كبرى في طريق الاستنباط في حدّ ذاتها وبنفسها من دون الاحتياج إلى ضمّ كبرى أو صغرى اصوليّة اخرى إليها ، وبهذه الخصوصيّة امتازت عن مسائل سائر العلوم الدخيلة في الاستنباط من مسائل علم النحو ، والصرف ، والرجال ، والمنطق ، واللغة ، وأمثال ذلك ؛ إذ مسائل هذه العلوم وإن كانت دخيلة في الاستنباط ، إلّا أنّها ليست بحيث لو انضمّت إليها صغرياتها تترتّب عليها نتيجة فقهيّة ، كما لا يخفى.
فانقدح بهذا البيان أنّ هذه المسألة ليست من المسائل الاصوليّة ، بل هي من المسائل اللغوية ، فلا تقع كبرى في قياس الاستنباط مستقلّة بلا ضمّ كبرى اصوليّة إليها ، وهي كبرى مسألة الأقلّ والأكثر الارتباطييّن.
ويترتّب على ذلك البيان أنّ هذه الثمرة ليست ثمرة مترتّبة على هذه المسألة ، بل إنّما هي ثمرة لمسألة الأقلّ والأكثر الارتباطيين ، وهي من مبادئ تلك المسألة ، فالبحث عنها إنّما يكون محقّقا لموضوع البحث عن تلك المسألة ، وهكذا الثمرة الآتية ، فإنّها ثمرة لمسألة المطلق والمقيّد دون هذه المسألة.
نعم هي محقّقة لموضوع التمسّك بالإطلاق ، فالبحث عن جواز التمسّك بالإطلاق وعدمه وإن كان بحثا عن مسألة اصوليّة ، إلّا أنّ البحث عن ثبوت الإطلاق وعدمه بحث عن المبادئ.