وقد أجاب عن ذلك الاستدلال محقّق صاحب الكفاية قدسسره (١) بوجوه :
الأوّل : بالامتناع ، بيان ذلك أنّه لا شكّ في عدم إمكان الوصول إلى تلك المعاني غير المتناهية عن طريق الالتزام بالاشتراك في وضع الألفاظ ، إذ المعاني لمّا كانت غير متناهية فتستدعي أوضاعا غير متناهية. فإذن أنّ المانع أيضا موجود بالنسبة إلى وضع الاشتراكي ، فتطرّق بهذه الحيلة إلى المعاني ، أي من ناحية وضع الاشتراكي في الألفاظ كالأوّل غير ممكن ، لأنّ الوضع في الألفاظ في قالب الاشتراك بإزاء المعاني غير المتناهية غير معقول ، لأنّه مستلزم لأوضاع غير متناهية وصدورها من الواضع المتناهي محال وممتنع.
والثاني : لو سلّمنا إمكان ذلك ، كما إذا كان الواضع هو الله تبارك وتعالى ، إلّا أنّه من الواضح أنّ الوضع مقدّمة للاستعمال ولإظهار الحاجة وإبرازها للوصول إلى الأغراض من الوضع والتكلّم بالألفاظ ، وهو من البشر لا منه جلّ وعلا. فإذن وضع الألفاظ بإزاء المعاني غير المتناهية لغو محض ، لأنّه زائد على مقدار الحاجة إلى الاستعمالات المتناهية.
وعلى الجملة فالواضع وإن فرض أنّه الله تبارك وتعالى ، وهو قادر على أوضاع غير متناهية ، إلّا أنّ المستعمل هو البشر ، فالاستعمال منه لا محالة يقع متناهيا ، فالوضع الذي يكون زائدا على المقدار المتناهي غير محتاج إليه ، كما هو واضح بلا تأمّل.
والحاصل لو سلّمنا عدم تناهي المعاني أيضا لا نحتاج إلى الوضع بالنسبة إلى جميع المعاني ، بل إنّما نحتاج إلى الوضع بمقدار الحاجة ، ومحلّ الابتلاء منها بالنسبة إلى الاستعمالات البشرية المتداولة في المحاورة ، فلا شكّ أنّ الألفاظ
__________________
(١) كفاية الاصول : ٥٢.