فقولنا : زيد قائم والجدار قائم والصلاة قائمة ، فبالضرورة نجد أنّ تلك الذوات التي اخذت في كلّ واحدة من هذه الجمل مباينة للذات المأخوذة في غيرها ، إذ ذات (زيد) المأخوذة في القائم غير ذات (جدار) الذي اتّحد مع القائم في جملة : الجدار قائم أو في جملة الصلاة قائمة ، ومن الواضح أنّ الذات المأخوذة في كلّ واحدة من هذه الجمل مباينة للذات المأخوذة في غيرها.
فبذلك البيان انقدح أنّه إذا كان المأخوذ في مفهوم المشتقّ هو واقع الذات لتكثّر مفهوم القائم لا محالة ، فلا مناص من أن يكون الوضع عامّا والموضوع له خاصا ، وهذا لا يجتمع مع المفهوم العرفي ، بل يخالفه بالقطع واليقين ، كالشمس في الافق المبين ، وقد عرفت فيما سبق أنّ المشتقّات كالجوامد موضوعة لمعنى العامّ على نحو يكون الموضوع له فيها كالوضع عامّا ، من دون أن تكون من سنخ متكثّر المعنى ، بل إنّما تكون من سنخ متّحد المعنى ، كمعنى الجوامد الذي ليس من سنخ متكثّر المعنى.
فعلى هذا ظهر أنّ الأمر دائر بين بساطة المفاهيم الاشتقاقية وأخذ مفهوم الشيء فيها ، والحقّ كما عليه أهله مع الثاني دون الأوّل.
فإذا عرفت ذلك ، فلا يذهب عليك أنّه لا بدّ لنا قبل التكلّم في ذلك أن نفسّر لك ما هو المراد من الذات المأخوذة في مفاهيم المشتقّات ، لتكون أبصر بمحلّ البحث في هذا المجال وكيفية الحال.
فنقول : إنّ المراد منها ذات مبهمة مندمجة في نهاية الاندماج والإجمال والإبهام ، على نحو تكون عريانة عن كلّ قيد وتلبّس من التلبّسات والخصوصيّات والإضافات إلّا قيام المبدأ بها ، فهي لأجل إبهامها واندماجها قابلة للحمل على الواجب والممكن والممتنع على منهج واحد. فيكون المراد من الشيء عبارة عن المفهوم الكلّي المحض في نهاية الإجمال والإبهام