الوجوه أصلا وأبدا ، وأمّا هيئتها باعتبار شمولها على النسب وإن كان تشبه الحروف ، إلّا أنّها بهذا المقدار غير موجب للبناء في هيئة المشتقّات.
فصار المتحصّل من جميع ما فصّلناه لك أنّ شيئا من هذه الوجوه لا يتمّ دليلا معتمدا يمكن الاعتماد عليها لإثبات البساطة في مفهوم المشتقّ ، بل الحقّ الضروري المستحكم المتين هو القول بالتركيب حيث ما أقمنا عليه البرهان والدليل من الضرورة والوجدان بعون الله المستعان.
وقد ذكر شيخنا الاستاذ قدسسره أنّ وجود العرض في حدّ ذاته ونفسه ليس إلّا عين وجوده لموضوعه ، بمعنى أنّ العرض غير موجود بوجودين : أحدهما لنفسه والآخر لموضوعه ، بل وجوده النفسي عين وجوده الرابطي ، فوجوده في الخارج ليس إلّا هو الرابط بين موضوعاته.
وعلى هذا التقريب فحيث إنّ للعرض حيثيّتين واقعيّتين : إحداهما وجوده في نفسه والاخرى وجوده لموضوعه ، فقد يلاحظ بما أنّه شيء من الأشياء ، وأنّ له وجودا بحياله واستقلاله في مقابل وجود الجوهر كذلك ، فهو بهذا الاعتبار عرض مباين لموضوعه وغير محمول عليه. وقد يلاحظ على واقعه بلا مئونة اخرى ، وأنّ وجوده في نفسه عين وجوده لموضوعه ، فهو بهذا الاعتبار عرضي ومشتقّ ، وقابل للحمل على موضوعه ومتّحد معه ، حيث إنّه من شئونه وأطواره ، فإنّ شأن الشيء لا يباينه (١).
ويرد عليه أوّلا : أنّ هذا الفرق الذي ذكره قدسسره غير مربوط بالمبدإ والمشتقّ ، فضلا ، عن أن يكون فارقا بينه وبين مبدئه ، بل يكون مائزا وفارقا بين المصدر واسم المصدر.
__________________
(١) انظر فوائد الاصول ١ : ١١٧ ـ ١١٨.