العرب والعجم.
كما أنّنا نقطع بعدم وجود الدلالة الذاتيّة على نحو يفهم كلّ فرد فرد من الأشخاص من كلّ فرد فرد من الألفاظ المفهوم الذي يكون معنى ذلك اللفظ المخصوص الذي يختصّ بذلك الوضع ، إذ عهدة ذلك الأمر المهمّ خارج عن تحت قدرة البشر بما هم بشر ، بل القدرة في ميدان الوضع تكون بيده تبارك وتعالى.
فيكون الواضع هو الله الحكيم الذي وضع لكلّ المعاني في اللغات الدارجة بين أربابها لفظا مخصوصا باعتبار مناسبة معلومة عنده ومجهولة عندنا ، واختار الله عزوجل هذا الأمر المهمّ من الوسائط بين تشريع الأحكام الشرعيّة التي لا بدّ من إيصالها إلى المكلّفين بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، والامور التكوينية التي فطر الإنسان والخلائق على إدراكها ، كحدوث الجوع والعطش عند احتياج المعدة إلى الغذاء والماء وأمثالهما.
فانقدح بذلك البيان أنّ الوضع من جانبه تبارك وتعالى اعتبار وجعل متوسّط بينهما ، فلا يعدّ من التكوينيّات المحضة ، ليكون مستغنيا عن أمر آخر ، ولا من التشريعيات المجرّدة حتّى يكون في غنى عن تبليغ الرسل والأوصياء الكرام ، وإنّما يكون ذلك الأمر المهمّ من شئون الله عزوجل في إلهامه تبارك وتعالى عباده على اختلافهم بما اختصّهم من الألسنة واللغات المختلفة على نحو بحيث يكون كلّ منهم على شاكلته ، بما لهم من اختلاف الوضع واللغة واللسان ، إذ تتكلّم كلّ طائفة بلفظ خاصّ عند تفهيم إرادة بيان المعنى الخاصّ من ذلك اللفظ المخصوص.
ومن المؤكّدات التي تؤكّد توضيح هذا المطلب أنّه لو أراد عدّة من الرجال اتّخاذ ألفاظ جديدة بمقدار الألفاظ الدارجة في أيّ لغة من اللغات فليس في