المحل الذي كنا فيه بنحو ثلثي ساعة ، وليس هو جنانا حقيقيا ، بل هو موضع من غابة عظيمة ، والطرق الموصلة إليه في وسط هذه الغابة واسعة عريضة جدا ، وفيها من يقوم بكنسها ورشها من المساء إلى الصباح ، كغيرها من الطرق ، وفي هذه الغابة مواضع محوطة بقضبان من حديد ، امتدادا أو ارتفاعا ، والسلك الرقيق ممتد معها في التربيعات الناشئة من تقاطع قضبان الحديد ، وهذه المواضع مختلفة في الكبر والصغر على مقدار / ١١٦ / يناسب الحيوان الذي فيه ، وفي هذه المواضع طرق عريضة طولا وعرضا ، فحين دخلنا لهذا الجنان وجدنا في مدخله بيتا فيه أقفاص صغيرة وكبيرة. فيها أنواع من الطير شتى ، وبه من هو مكلف بها يأتيها بالحب والماء في الوقت المعين. وهي تتوالد هناك ، ووجدنا في بعض الأقفاص طيرين صغيرين أصغر من البرطال (١) بكثير ، وهما متلازمان وكلما طار أحدهما يتبعه الآخر ، قيل إن هذا دأبهما لا يفترقان أبدا. وعند دخولنا لهذا البيت رأينا عربة يجرها حيوان دون البغل وأكبر من الحمار ، وهو على صورة الحمار ، وذاته مخططة بخطوط سود مستديرة (٢) ، بينها كذلك خطوط بيض ، قيل هو من حمر الوحش ، وهو في غاية (٣) ، وأنه قبض من الغابة ، ووكل به من يحرسه ويباشره حتى ألف واستأنس ، وصار يجر الأكداش ، ثم دخلنا لبيت آخر فوجدنا فيه أقفاصا من عود كبير مستديرة ، طولها نحو خمسة أذرع ، وقطر دورها نحو أربعة / ١١٧ / أذرع ، وفي كل قفص طبقات بعضها فوق بعض ، في كل طبقة أبواب صغيرة ، مربعة في محيط القفص ، قدر ما
__________________
(١) لعله الأبلق الأبيض وصاحبته وما يدور بينهما من مناوشة ، تبدأها الأنثى بوثوبها إلى مكان عال ، ليلتحق بها الذكر في التوّ متمتما بصوت خفيض ، ثم يبدأ اللف والدوران حولها مرات عديدة ، فتضربه بمنقارها ، وتهرب له إلى مكان آخر فيتبعها ، ثم يرفع عقيرته بالتصديح والترنيم ، تستمتع إليها الأنثى وهي ساكنة وهكذا ... عالم الطير ، أحمد محمد عبد الخالق ، القاهرة ، ١٩٦٢ : ٩.
(٢) الزردZebre الحمار الوحشي ، أنواعها أربعة أما ضروبها ، وسلالاتها عديدة ، الموسوعة في علوم الطبيعة ، إدوار غالب ، بيروت ، ١٩٦٦ ، مجلد ١ : ٣٢٢.
(٣) بياض بقدر كلمتين.