شطابتان من شعر على هيئة الشيطة التي يمسح بها الملف ، وهما أكبر بكثير ، ويجعل كل واحد برأس عصا ويدفع بهما الماء وهما منصوبتان أحدهما بجنب الأخرى طولا فترى الماء يجري قدامه ، وإذا كان كبيرا وخرج منه شيء وبقي وراءه يتبعه آخر يدفعه بشطابتين كذلك ، ولم أدر هل يوصله إلى مصرف خاص به أو إلى غير ذلك ، وإذا ارتفع المطر وأخذت الأرض في الجفاف يرجعون إلى الرش والتنظيف في يوم واحد مرة أو مرارا ، وهذا دأب هؤلاء ليلا ونهارا. وقيل لي ذات يوم إن الذباب لا يوجد في مدينة باريز ، فقلت له وهل يتركون له شيئا من القاذورات التي ينزل عليها ، مع أن براح ديارهم وغالب أسواقهم مقبية بالزاج ، ثم تتبعت ذلك فلم أر شيئا منه في الدار التي كنا فيها ، ولا في محل الطبخ ، ولا في الزقاق ، مع أن الوقت في نهاية الحرارة ، عدا يوما واحدا رأيت فيه ذبابة واحدة في حانوت جزار ، ما أنظفها وما أظرفها ، وبراحها كالكاغد المورق بالألوان ، واللحم الذي يباع فيها يابس لا شيء فيه من البلل ، وحين نقله من محل / الذبح إلى الحوانيت يجعل في الخناشي (١) كالسراويل ، محافظة على النظافة ، والحوانيت التي يباع فيها اللحم ، رأينا في حومة واحدة فندقا عظيما مربعا في طول ربعه أزيد من مائتي خطوة ، وله أبواب كثيرة في كل ربع. ويقابله فندق آخر مثله لبيع اللحم أيضا ، وما عرفنا فيها شيئا من النعم المأكولات والمشروبات لأن كبير الدار التي كنا نازلين بها ، مأمور بأن يأتي إلينا بجميع ما نطلبه منه من ذلك. وأصحابنا الذين في المطبخة يذبحون كل يوم شاة من الضأن ويوتى لهم بالدجاج كل يوم والحوت ، وما يحتاجونه من الإدام ، ويوتى لنا في كل صباح بالقهوة والحليب والزبدة وغير ذلك من الأشربة ، كشراب اللوز وشراب أحمر قان يضاف مع الماء بنحو الثلثين منه والثلث من الماء ، وحضر هذا الشراب ذات يوم ، فحين تناولت منه قيل لي سيقال للقاضي إنك تشرب معنا هذا الشراب ، فقلت أو ليس فيه من بأس أو يشمله شيء من الالتباس ، وتذكرت قول القائل :
فعندي ميزان يفرق بينها |
|
وبين ذوات السكر لست بزاهق |
__________________
(١) انظر شرحه في الملحق رقم : ٤.