تكن له علينا في ذلك مزية والحمد لله. ووددت الآن لو كان معنا مكحلة من مكاحيل غربنا ،لأن أمور الرماية عندنا مما يكاد يستحيله السامع ، كضرب المحمدي الذي يكون في أذن الواقف ، والطائر في حال طيرانه على أحوال متعددة ، ثم خرجنا من هذا /١٦٧/ البيت ، وأوتي بنا إلى آخر ، فوجدنا فيه مربعين ، أحدهما فيه تسع عشرة عمارة ، والآخر فيه سبع وثلاثون ، وأوتي بالحديدات المتحدة عنها ، في كل واحدة تسعة عشر قرطوشا مركبا فيها ، فوضعت تلك الحديدة في قالبها المحفور لها في سطح قعر المدفع ، وشدت على الخزنة ، وكان في رجل الكريطة مسماران معكوفان إلى جهة الأرض ، فضربهما برجليه حتى غاصا في الأرض ، وكان أمامه في بعد جدار مربع مصبوغ بصبغة سوداء ، في وسطه دائرة ببيضاء ثم أخذ يباشر مسامتة المدفع للدائرة البيضاء ، وبعدها رفع تلك اليد من الحديد التي عن اليمين إلى فوق ، فخرجت العمارة كلها ، فكان رجل منهم في الحفير الذي فيه ذلك الجدار ، وبيده قضيب طويل ، وهو يعين لهم المواضع التي أصابها رصاص العمارة ، فكانت كلها حول الدائرة البيضاء ، وتكرر الرمي منه بهذا المدفع وبالآخر ، فما أصابت الدائرة البيضاء ولو رصاصة واحدة (١) ، ومن المشهور عندنا في الغرب أن الطبجية يجعلون
__________________
(١) بعض رجال المخزن المغربي كان يعرف أن الأسلحة التي كان يشتريها كانت عاجزة أو فاسدة أكل الدهر عليها وشرب ، وكلام المؤرخ الناصري في هذا الموضوع واضح «... صاروا من القوة والاستعداد والتفنن في أنواع الآلات الحربية التي حيث صارت آلاتنا عندهم هي والحطب سواء ، والدليل على ذلك أنهم يبيعوننا أنواعا من الآلات الحربية نقضي العجب من جودتها وإتقانها ، ومع ذلك فينقل لنا عنهم أنهم لا يبيعونا منها إلا ما انعدمت فائدته عندهم ، لكونهم ترقوا عنها إلى ما هو أجود منها ، واستنبطوا ما هو أتقن وأنفع ...»، الاستقصا ، ج ٩ : ١٨٤.
رغم أن المخزن المغربي كان يشترط على الشركات الأوربية التي يتعامل معها ضمان حكوماتها لجودة السلعة ، فإن الأسلحة كثير ما كانت تظهر فيها أعطاب غير صالحة للاستعمال كما جاء ذلك في إحدى رسائل القنصل البلجيكي بطنجة للزبيدي.«... إنا نكتب لك اليوم على شأن أمر أوقعني في غبينة كبيرة .. وإنني تغيرت كثيرا لما سمعت أن السلطان أيده الله ليس على خاطره من أجل هذا الحرب (الأسلحة) الذي من بلادي ...» ، سنة ١٨٨٥ م. الجيس المغربي وتطوره في ق ١٩ ، برادة ثريا ، ص. ٢٧٧. د. د. ع ، كلية الآداب بالرباط.